ديوان الصبابه (صفحة 34)

أغار عليك من قلبي ... وأن أعطيتني أملي

وأشفق أن أرى خديك ... نصب مواقع القبل

وقال الآخر:

يا من إذ أذكر اسمه في مجلس ... لذ الحديث به وطاب المجلس

أني لمن نظري أغار وأنني ... بك عن سواي من الأنام لأنفس

ومنهم من يغار عليه من وصاله له مخافة أن يكون مفتاحاً لغيره كما قال علي بن عبد الله الجعبري:

ربما سرني صدوك عمداً ... وطلابيك وامتناعك عني

حذراً أن أكون مفتاح غيري ... فإذا ما خلوت كنت التمني

وقال آخر:

ولما رمت باللحظ غيري حسبتها ... كما اثرت بالعين تؤثر بالقلب

وأني لأرجو أن تدوم ببعدها ... ولكن سوء الظن من شدة الحب

وقد بالغ ابن مطروح حيث يقول:

فلو أضحى على تلفي مصرا ... لقلت معذبي بالله زدني

ولا تسمح بوصلك لي فإني ... أغار عليك منك فكيف مني

ومنهم من يمتنع من ذكر محبوبه مخافة تعريضه لحب غيرة له كما قال علي بن الرافعي:

ولست بواصف يوماً حبيبا ... أعرضه لأهواء الرجال

وما بالي أشوق قلب غيري ... ودون وصاله ستر الحجال

وكثيراً من الجهال وصف امرأته ومحاسنها لغيره فكان ذلك سبب فراقها واتصالها بالموصوف له وذلك من قلة عقله وحمقه وقد رأيت جماعة بهذه الصفة ومنهم من بالغ في الغيرة حتى قتل محبوه مخافة أن يموت هو فيمتنع بمحبوبه بعده غيره كما ذكر ذلك عن جماعة من جملتهم ديك الجن الحمصي وقد أفردت لحكايته رسالة مستقلة وسميتها قرع سن ديك الجن وكتبت بها إلى مولانا السلطان الناصر حسن في سنة ستين وسبعمائة وهو في سرياقوت فأصبحت وكان قد تقدم ما يوجب ذلك فلذلك أفسحت الرسالة المذكورة بقولي يقبل الأرض وينهي أن ديك الجن المذكور من جملة جنونه أنه كان يهوى جارية وغلاماً له فمن شدة حبه لهما وغيرته عليهما خشي أن يموت وأن غيره يتمتع بهما بعده فعمد إليهما فذبحهما بسيفه وأحرق جسديهما وصنع من رماد الجارية برنية للخمر ومن رماد الغلام برنية أخرى كذلك وكان يضعهما في مجس أنسه عن يمينه وشماله فكان إذا اشتاق إلى الجارية قبل البرنية المجعولة من رمادها وملأ منها قدحه وأنشد:

يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها التراب وطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها

وأجلت سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها

فوحق نعيلها وما وطيء الثرى ... شيء أعز علي من نعيلها

ما كان قتلها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الغبار عليها

لكن بخلت على سواي بحسنها ... وأنفت من نظر العيون إليها

وإذا اشتاق إلى الغلام قبل البرنية المجعولة من رماده وملأ منها قدحه وبكى وأنشد قوله فيه:

أشفقت بأن يرد الزمان بغدره ... أو أبتلي بعد الوصال بهجره

قمر أنا استخرجنه من دجنه ... لبليتي وأثرته من خدره

فقتلته وله علي كرامة ... فلي الحشا وله الفؤاد بأسره

عهدي به ميتاً كأحسن نائم ... والطرف يسفح دمعتي في نحره

لو كان يدري الميت ماذا بعده ... بالحي منه بكى له في قبره

غصص تكاد تفيض منها نفسه ... ويكاد يخرج قلبه من صدره

أقول هذا الذي يقال له الجنون فنون فإنا لله وإنا إليه راجعون من فعل هذا المجنون على أنه من أرق الناس شعراً وأكثرهم للمحبوب ذكراً فمن شعره ونظمه الرائق قوله في الدعاء على المحبوب:

كيف الدعاء على من خان أو ظلما ... ومالكي ظالم في كل ما حكما

لا واخذ الله من أهمى بجفوته ... عني ولا اقتص لي منه ولا انتقما

أقول صار الطالب مطلوب وهذا الفقه المقلبو ما كفله أنه فعل بالأحباب ما لا تفعله الكلاب حتى لا يقول لا واخذ الله من أهوى بجفوته ويمزج رقة شعره بقسوته فهو في الخفة والطيش وقتل المحبوب لا في أيش ولا علي ايش فمن غلب عليه هواه كما تراه ففعل بمحبوبه ما فعل وأقام ضربه بالسيف مقام القبل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015