فهي في راحة البال التي تعقب أداء الواجب لسعادة المجموع فكم من أناس ظفروا بكل ألوان السعادة من صحة ومال وولد واجتماع شمل، ولكنهم لا يفتأون يحسون فراغا في نفوسهم وخواء في قلولهم، وشفاء في حياتهم، ذلك لأن لهم بالا يعذبهم وضميرا يؤنبهم، لأنهم جلبوا الشقاء لغيرهم، إما بالإساءة إليهم، وإما بعدم سعيهم فيما يجلب السعادة لهم، فتخلوا بذلك عن أداء واجبهم في ميدان النفع العام، فباتوا يرون أنفسهم كائنات منحطة أقل شأنا من ذباب يلد العسل، ودود يلد الحرير، وأزاهير تنفح بالعبير، لأن كلا من هذه الكائنات الضعيفة كانت قوية بمساهمتها في النفع العام، فما أتفه الإنسان إذا لم ينفع به أبناء جنسه، ولم يعش إلا لنفسه، السعادة الحقة -إذن- أن تحس أن القلوب من حولك تخفق بحبك، لأنك كففت عن الناس أذاك، واحتملت منهم أذاهم، وبذلت لهم نفسك ومالك، فبت قرير العين، هادئ النفس، ناعم البال، تهتصر أفنان السعادة وترتشف رحيقها، وتشعر بأنك إنسان كامل، ومخلوق ممتاز، جدير بمكانه في الوجود، بين عظماء الرجال ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015