العزلة التي فرضت عليه قسرا، وأرغم عليها ظلما وعدوانا، والتي قيدت حريته، وكبلت إرادته، وجعلته يحس برسف الأغلال وثقل القيود، وحرمته من الأماكن القريبة إلى نفسه، وأبعدت عنه الوجوه الحبيبة إلى قلبه، هذه الوحدة أثرت في نفسه الأدبية تأثيرا عميقا، وأصابت قلبه الكبير إصابة بالغة في الصميم.
لقد شعر بآلام الغربة وعذاب الحرمان من وطنه وهو على أديمه وتحت سمائه، وكابد لوعة الفراق والشوق والحنين إلى أحنانه وأبناء بلده وهو قريب منهم، فأي عذاب لقلبه الذي يجيش بالحب الخالص والوفاء النادر لوطنه؟ وأي شقاء لنفسه التي تفيض بالمحبة والحنان والرحمة لأبناء بلده؟
فإذا بنات قريحته تتدفق جنباتهن شعرا صادقا يعبر عن آمالهم وآلامهم، ويصف أفراحهم وجراحهم ويصور حيرتهم واضطرابهم، ويحرك وجدانهم، ويثير طموحهم، ويحثهم على الاتحاد والتآخي والتسامح، ويزرع في نفوسهم حب الخير والتمسك بالدين والإخلاص للوطن.
فالشاعر يجد السعادة القصوى والراحة الكبرى وهو بينهم يحس بمشاعرهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ويساعدهم في حل مشاكلهم، ويبعث في قلوبهم الأمل، ويقوي في نفوسهم الإيمان.
لذلك كان شعوره بالحرمان من ذلكم الوصال، وإبعاده المر المرير عميقا جدا لا يقدر على وصفه والتعبير عنه إلأ هذه القصائد المؤثرة التي هي أصداء نفسه ونبضات قلبه، وخلجات فكره، وزفرات روحه في تلك الفترة العسيرة من الزمن.
عائشة سحنون