بِنَفْسِي نازِحٌ بِالغَيْبِ دانٍ ... يُجاوِرُ مَعْشَراً غَيَباً حُضُورا
أَقامَ بِحَيْثُ لا يَهْوى مُقاماً ... وَلا يَبْغِي إِلى جِهَةٍ مَسِيرا
وَلا هَجْراً يَوَدُّ وَلا وِصالاً ... وَلا بَرْداً يُحِسُّ وَلا هَجِيرا
أَقُولُ سَقى مَحَلَّتَهُ غَمامٌ ... يَمُرُّ بِها مِراراً لا مُرُوراً
وَرَوَّضَ ساحَتَيْهِ كَأَنَّ وَشْياً ... يَحُلُّ بِها وَدِيباجاً نَشِيرا
إِذا خَطَرَ النَّسِيمُ عَلَيْهِ أَهْدى ... إِلى زُوّارِهِ أَرَجاً عَطِيرا
وَما أَرَبِي لَهُ فِي ماءِ مُزْنٍ ... وَقَدْ وَدَّعْتُ مِنْهُ حَياً مَطِيرا
وَلَوْلا عادَةُ السُّقْيا بِغَيْثٍ ... إِذاً لَسَقَيْتُهُ الدُّرَّ النَّثِيرا
وَقَلَّ لِقَدْرِهِ مِنِّي وَقَلَّتْ ... لَهُ زُهْرُ الْكَواكِبِ أَنْ تَغُورا
أَحِنُّ إِلى الصَّعِيدِ كَأَنَّ فِيهِ ... شِفايَ إِذا مَرَرْتُ بِهِ حَسِيرا
وَاسْتافُ الثُّرى مَذْ حَلَّ فِيهِ ... وَأَلْصِقُهُ التَّرائِبَ وَالنُّحُورا
وَلَوْلا قَبْرُهُ ما كُنْتُ يَوْماً ... لأَلْثِمَهُ وَأَعْتَنِقَ الْقُبُورا