وقد نشأ عن الجهل بهذه الحقيقة, أو عن عدم استعمالها ممن عرفوها أن معظم من أرادوا في هذه القرون الأخيرة أن يكونوا فلاسفة قد تابعوا أرسطو متابعة عمياء، حتى إنهم كثيرا ما أفسدوا معنى كتاباته، ناسبين إليه آراء مختلفة ما كان ليقر نسبتها إليه لو أنه عاد إلى هذه الدنيا. أما من لم يتابعوه -ومنهم كثيرون من ذوي العقول الراجحة1- فلم يبرءوا من التشبع بآرائه في شبابهم؛ لأنه لا يعلم في المدارس سواها، وقد شغلهم ذلك شغلا حال دون وصولهم إلى معرفة المبادئ الحقة. ومع أني أقدرهم جميعا ولا أريد أن أعرض نفسي للخزي بتوجيه اللوم إليهم، فإني أستطيع أن أقدم على قولي دليلا لا أظن أن منهم من ينكره، وهو أنهم قالوا بشيء لم يكونوا على معرفة كاملة به وافترضوه مبدأ. فأنا مثلا لا أعرف منهم من يفترض الثقل في الأجسام الأرضية، ولكن مع أن التجربة تدلنا بوضوح على أن الأجسام التي تسمى ثقيلة تهبط نحو مركز الأرض, فإننا لا نعلم مع ذلك ما هي طبيعة ما يسمى ثقلا، أي: طبيعة العلة أو المبدأ الذي يجعلها تهبط على هذا النحو، وعلينا أن نستقي معرفتنا بذلك من مصدر آخر. ويمكن أن يقال مثل هذا عن الخلاء والذرات، وعن الحار والبارد، وعن الجاف والرطب، وعن الملح والكبريت والزئبق وما شابه ذلك مما افترضه بعضهم مبادئ2.
لكن جميع النتائج التي تستنبط من مبدأ ليس ببديهي, لا يمكن أن تكون بديهية مهما يكن الاستنباط من حيث صورته صحيحا. ويترتب على هذا أن