وخروج المسلمين من جزيرتهم العربية واصطدامهم بالدولة البيزنطية, وأن هذه الحركة تطورت كالكائن الحي على مدى القرون ما تكاد تخرج من طور إلا لتدخل في طور جديد، وما كانت الفترة الزمنية الممتدة بين سنتي (488هـ - 690هـ/ 1095 - 1291م) إلا أحد أطوارها فقط, وأن بروز هذا الطور بهذا الشكل الذي كاد يطغى على باقي أطوارها يعود إلى عوامل عديدة معقدة ومتشابكة يستطيع الباحث أن يتلمسها في الدوافع والأسباب التي أدت إلى إطلاق الموجة الصليبية العاتية من عقالها في هذه الفترة (?)، وسيأتي بيان هذه العوامل والأسباب بإذن الله تعالى.

وقد تصالح المؤرخون على إطلاق الحروب الصليبية على الحركة الاستعمارية الصليبية التي ولدت في غرب أوربا واتخذت شكل هجوم مسلح على بلاد المسلمين في الشام والعراق والأناضول، ومصر وتونس لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين والقضاء عليهم, واسترجاع بيت المقدس وقبر المسيح، وجذور هذه الحركة نابع من الأوضاع الدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي سرت في غرب أوربا في القرن الحادي عشر, واتخذت من الدين وقوداً لتحقيق أهدافها (?). لقد كانت تكاليف حقبة الحروب الصليبية باهظة بمعنى الكلمة، واستنزفت من الطرفين الكثير من الإمكانات والقدرات, ولعبت دوراً خطيراً في عرقلة مسيرة الحضارة الإسلامية ومع ذلك فإن التحديات التي صنعتها الهجمات الصليبية والقيم التي صاغها المسلمون وهم يتصدون للغزاة تمثل لا ريب رصيداً كبيراً يضاف إلى ما يتضمنه تاريخنا الطويل من تجارب وخبرات (?)، لقد كانت الحروب الصليبية حلقة من سلسلة طويلة في صراع الإسلام والباطل سبقتها حلقات على الطريق الطويل، وأعقبتها حلقات (?) ... فالغزو الصليبي ليس أمراً جديداً، ولا ظاهرة غريبة أو استثنائية وإنما هو القاعدة وغيره الاستثناء (?)، ولذلك نقول: إن التحديد الزمني للحركة الصليبية بين سنتي 488هـ - 690هـ هو تحديد خاطئ كما يقول الأستاذ الدكتور سعيد عاشور: لا يقوم على أساس سليم ولا يعتمد على دراسة الحركة الصليبية دراسة شاملة، وإنما يكتفي بعلاج مبتور يشمل جزءاً من تلك الحركة ولا يعبر عن جذورها وأصولها من ناحية، ولا عن ذيولها وبقاياها من ناحية أخرى (?).

لقد كانت المقاومة الإسلامية لهذا الغزو تعبيراً فذًا عن استمرار تيار العقيدة في نفوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015