1 - حقيقة الإيمان ودخول الأعمال في مسماه: اتفق أهل السنة والجماعة على أن الإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي كما استفاض ذلك في كتبهم (?)، ومن تتبع ما روى لنا عن الإمام الشافعي رحمه الله وما حكاه لنا الأئمة في كتبهم من أقواله نجد مذهبه مطابقاً لمذهب السلف - رحمهم الله - تمام المطابقة فهو يقول إن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص (?)، قال الحافظ اللالكائي: قال الشافعي في كتاب الأم في باب النية في الصلاة: نحتج بأنه لا يجزئ صلاة إلا بنية لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات». ثم قال: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم: أن الإيمان: قول وعمل ونية ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر (?). وروى أبو نعيم في كتابة «الحلية» بسنده عن الربيع بن سليمان قال: سأل رجل من أهل بلخ الشافعي عن الإيمان فقال للرجل: فما تقول أنت فيه؟ قال: أقول: إن الإيمان قول. قال ومن أين قلت؟ قال: من قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 277]. فصارت الواو فصلاً بين الإيمان والعمل فالإيمان قول والأعمال شرائعه.
فقال الشافعي: وعندك الواو فصل؟ قال: نعم, قال: فإذا كنت تعبد إلهين إلها في المشرق وإلها في المغرب لأن الله تعالى يقول: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] فغضب الرجل وقال: سبحان الله أجعلتني وثنياً؟! فقال الشافعي: بل أنت جعلت نفسك كذلك قال: كيف؟ قال بزعمك أن الواو فصل, فقال الرجل: فإني أستغفر الله مما قلت بل لا أعبد إلا رباً واحداً ولا أقول بعد اليوم إن الواو فصل بل أقول إن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، قال الربيع: فأنفق على باب الشافعي مالاً عظيماً وجمع كتب الشافعي وخرج من مصر سُنياً (?).
2 - زيادة الإيمان ونقصانه: قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا هذه الآية: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] (?) وممن نقل القول عن الإمام الشافعي -رحمه الله - بالزيادة والنقصان ابن أبي حاتم، والحافظ اللالكائي، والنووي، وابن تيمية والذهبي وابن القيم وابن حجر -رحمهم الله كلهم- نقل عن الإمام الشافعي القول بزيادة الإيمان ونقصانه، بل نقل بعضهم أن الشافعي حكى الإجماع على ذلك من السلف، كابن تيمية وابن رجب (?).