وكان السيد قد اشتد عليه المرض يومئذ، وهدمه الإعياء، وأدمى قلبه مصرع ولده الوحيد، فتوفي غماً وألماً، وذلك في يوليه سنة 1099. فتولت مكانه زوجه خمينا الدفاع عن المدينة، واستطاعت أن تصمد أمام هجمات المرابطين، زهاء عامين آخرين. وأخيراً بعثت إلى ألفونسو السادس تستصرخ به، وتعرض تسليم المدينة إليه، فهرع ألفونسو إلى بلنسية في بعض قواته، ودخل بلنسية في مارس سنة 1102 م. وكانت القوات المرابطية قد اجتمعت قبل ذلك ببضعة أشهر، تحت إمرة قائدها الأمير أبى محمد المزدلي، تستعد للوثبة الحاسمة، فلما قدم ألفونسو بقواته، اجتنبت لقاءه، وعسكرت في كولييرا الواقعة على البحر بين بلنسية وشاطبة. وقضى ألفونسو شهراً في بلنسية، ثم خرج إلى أحواز كولييرا، وانتسف زروعها، وهالته ضخامة الجيش المرابطي، فارتد إلى المدينة وهو عازم على إخلائها، ولم يشأ أن يغامر بجيشه مع العدو القوي في مواقع نائية. وغادر بلنسية سكانها النصارى، يحملون أمتعتهم وأموالهم، وخرجت خمينا زوجة السيد، ومعها ذخائر القادر بن ذى النون، والأموال العظيمة التي انتهبها السيد خلال غزواته ومغامراته، وقد استولى ألفونسو فيما بعد على معظمها، ثم خرج ألفونسو وجنده، وخرج معه فرسان السيد يحملون رفات زعيمهم لتدفن في أراضي قشتالة (4 مايو سنة 1102 م). بيد أنه أمر قبل خروجه بإحراق المدينة، ولم يغادرها إلا بعد أن غدا معظمها أطلالا دارسة.
وفي اليوم التالي، الخامس من شهر مايو سنة 1102 م، الموافق شعبان سنة 495 هـ (?)، دخل المرابطون بلنسية وعاد الثغر العظيم بذلك إلى حظيرة الإسلام مرة أخرى، وعاد السلم يخيم على تلك الربوع، وانهار باختفاء السيد، أكبر عامل في بث الروع، والاضطراب إلى شرقي الأندلس، ووقفت مغامرات النصارى في تلك الأنحاء مدى حين (?).
* * *