مرسية كالشهاب ". وطوحت الخطوب عندئذ بابن عمار، فقصد إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة، وقضى حيناً في بلاطه، ثم قصد بعد ذلك إلى سرقسطة والتجأ إلى أميرها المقتدر بن هود. فأكرم وفادته، واستخدمه في بعض شئونه، ولكنه توفي بعد قليل في سنة 475 هـ (1081 م). فلبث في خدمة ولده المؤتمن فترة أخرى، ولم يهدأ له بال حتى أغراه على سجيته بافتتاح حصن شقورة الواقع شمال غربي مرسية، وهو من أعمال دانية، فبعث معه المؤتمن سرية من جنده، ولما وصل ابن عمار إلى شقورة، احتال عليه صاحبها ابن مبارك، وكان رجلا وافر الدهاء، واستقبله داخل حصنه بترحاب ومودة، ثم قبض عليه وزجه إلى السجن. وما كاد ابن عباد يقف على ذلك الخبر، حتى فاوض ابن مبارك في تسليم ابن عمار، وانتهى الأمر بحصوله في يده، ثم حمله المعتمد إلى إشبيلية، واعتقله بقصره، ومازال يمعن في تأنيبه وتقريعه حتى انتهى إلى قتله بيده، على النحو المؤسي الذي فصلناه من قبل في أخباره، وذلك في أواخر سنة 477 هـ (أوائل سنة 1085 م) (?).
وخلصت مرسية لابن رشيق، واستبد بحكمها وأعلن خلع طاعة المعتمد، واستمر يحكمها وأعمالها أعواماً بقوة وحزم، حتى كان عبور المرابطين إلى اسبانيا وانتصار الجيوش المرابطية والأندلسية المتحدة في موقعة الزلاّقة على الجيوش النصرانية المتحدة، وذلك في رجب سنة 479 هـ (أكتوبر سنة 1086 م)، وكان شرقي الأندلس يومئذ مايزال بمعزل عن حوادث الغرب. ولما شعر ألفونسو السادس ملك قشتالة بانهيار قواه ومشاريعه العسكرية في غربي الأندلس، رأى أن يتحرك إلى شرقي الأندلس، حيث كان يسوده الاضطراب والتفرق والضعف. وكان المعتمد بن عباد يتوق إلى استرداد مرسية، وتوطيد سلطانه في هذا القطاع النائي من مملكته. وهناك فيما يتعلق بمصير مرسية روايتان الأولى: هي أن ابن عباد حرض صاحب لورقة القائد أبا الحسن بن اليسع، وكان قد اعترف ببيعته، والتجأ إلى حمايته، على مهاجة مرسية، وأنه نجح في انتزاعها من ابن رشيق،