ولم ير ابن عمار أمامه سوى الفرار، فسار صوب الشرق وقضى وقتاً قصيراً في بلاط ألفونسو السادس، فلم يلق منه عوناً، ثم قصد إلى سرقسطة، والتجأ إلى أميرها المقتدر بن هود، فأكرم وفادته، واستخدمه في شئونه، ولكنه توفي بعد قليل في سنة 475 هـ (أواخر 1081 م) وقسمت مملكته بين أولاده، فاختص المؤتمن بسرقسطة، وبقي ابن عمار معه على ما كان عليه. ولم يطل مكث ابن عمار حتى أغراه على سجيته، بفتح حصن شَقُورة، وهو يومئذ من أعمال دانية، وقصد ابن عمار إلى ذلك الحصن، في جماعة قليلة من أصحابه، وكان حاكمه رجل وافر الدهاء يدعى ابن مبارك، فدعا ابن عمار وصحبه إلى الدخول، وهش لاستقباله، فخدع ابن عمار بموقفه، وما كاد يستقر في الحصن، حتى هوجم وقبض عليه، ووضعت في يده الأغلال، وزج إلى ظلام السجن، وكان ذلك في ربيع الأول سنة 477 هـ (يوليه 1084 م).

ووقف ابن عباد على ذلك الخبر، فبعث إلى ابن مبارك يطلب إليه تسليم ابن عمار وبعث إليه مالا وخيلا، فاستجاب لدعوته، وسلم ابن عمار لرسله، وعلى رأسهم ولده يزيد الراضي، فأخذ أولا إلى قرطبة حيث كان المعتمد يومئذ، وأدخل إليها مكبولا في هيئة زرية، وقده احتشد الألوف من أهلها لرؤيته، وقد كانت تهتز لموكبه حين كان يدخلها أيام عزه. ثم أخذ بعد أيام قلائل إلى إشبيلية، فأودعه المعتمد مكاناً خاملا في قصره، وكان يستحضره من آن لآخر، ويبالغ في عتبه وتأنيبه، وابن عمار يمعن في استعطافه واسترحامه. ويقال إن المعتمد تأثر في النهاية بمحنته، ووعده بصفحه، ولكن عاد فنقم عليه لأنه نقل إلى بعضهم ذلك الوعد، أو على قول راجح، لأن خصوم ابن عمار الساعين في هلاكه، وفي مقدمتهم الوزير أبو بكر بن زيدون وهو ولد الشاعر، ضاعفوا سعايتهم، وأبرزوا للمعتمد؛ أبياتاً بخط ابن عمار، نظمها أيام أن كان بمرسية، وفيها يتعرض بالهجو اللاذع لبني عباد، ولاعتماد الرُّميكية زوجة المعتمد (?).

وقد أشرنا من قبل إلى ما كان بين اعتماد الرميكية، وبين ابن عمار من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015