القاسم بأهله وأمواله في مركب أعده له ابن سلام، وسار إلى ألمرية حيث التجأ إلى أميرها المعتصم بن صمادح، وعاش بها حتى توفي. وكان استيلاء ابن عباد على الجزيرة الخضراء في سنة 446 هـ (1054 م) (?).
وهكذا أضحت مملكة إشبيلية أو مملكة بني عباد تضم من أراضي الأندلس القديمة رقعة شاسعة تشمل المثلث الجنوبي من شبه الجزيرة، وأرض الفرنتيرة شمالا حتى شواطىء الوادي الكبير، ثم تمتد بعد ذلك من عند منحنى الوادي الكبير، غرباً حتى جنوبي البرتغال وشاطىء المحيط الأطلنطي، وبذلك أضحت أعظم ممالك الطوائف، وأغناها من حيث الموارد الطبيعية، وأقواها من حيث الطاقة الحربية.
ولم يكن يغشى هذه المكانة التي بلغتها إشبيلية من الضخامة والقوة والغنى، سوى ناحية قاتمة واحدة، هي موقفها من ملك قشتالة فرناندو الأول (?). ذلك أن هذا الملك القوي كان يطمح إلى أن يبسط سيادته على اسبانيا كلها، وكان يرى في ممالك الطوائف، وما يسودها من الخلاف والتفرق، فرائس هينة. ففي سنة 1062 م (454 هـ)، خرج من قشتالة بجيش كبير من الفرسان والرماة، وغزا مملكة طليطلة، وعاث فيها وخرب سهولها وزورعها، حتى اضطر ملكها المأمون ابن ذى النون، أن يطلب الصلح، وأن يتعهد بدفع الجزية. وفي العام التالي، سنة 1063 م (455 هـ) عاد فغزا أراضي مملكتي بطليوس وإشبيلية، واضطر المعتضد بن عباد، أن يحذو حذو المأمون، في طلب الصلح والتعهد بدفع الجزية، وقصد المعتضد بنفسه إلى معسكر ملك قشتالة، وقدم إليه عهوده شخصياً، وطلب إليه ملك قشتالة بهذه المناسبة أن يسلمه رفات القديسة "خوستا" شهيدة إشبيلية، فوعده بتحقيق رغبته. ولما توفي فرناندو بعد ذلك بثلاثة أعوام وخلفه ولده سانشو (شانجه) في حكم مملكة جليقية، كان المعتضد يؤدي إليه الجزية أسوة بأبيه، واستمر في تأديتها حتى وفاته (?).
- 3 -
وحدثت خلال هذه الفترة التي قضاها المعتضد بن عباد في افتتاح الإمارات