بيد أنه ما لبث أن استدعى ثانية إلى قرطبة، على أثر خلع ابن أخيه يحيى، وهنالك جددت له البيعة (ذو الحجة سنة 413 هـ). وكان المستعلي حينما استقر بإشبيلية قد اصطنع أبا القاسم بن عباد بعد موت أبيه اسماعيل، وقربه إليه، وأقره في ولاية القضاء. وكان أبو القاسم يشعر من جانبه أن استمرار سلطان الحمّوديين، يهدد رياستهم وينذر بالقضاء عليها. فلما استدعى المستعلي ليتولى الخلافة ثانية في قرطبة، اجتمع رأي أهل إشبيلية على ثلاثة من الزعماء هم القاضي اسماعيل بن عباد، والفقيه أبو عبد الله الزبيدي، والوزير أبو محمد عبد الله بن مريم، يتولون حكمها وضبط الشئون فيها، فكانوا يحكمون بالنهار في القصر، وتنفذ الكتب تحت أختامهم الثلاثة، ومع ذلك فقد كان القاضي ابن عباد، بمركزه ووفرة ثرائه ووجاهته، أقواهم سلطاناً، وأعلاهم يداً. فعكف على العمل على توطيد سلطانه، وعلى إضعاف سلطة البربر في المدينة. ولما عاد المستعلي بعد قليل لاجئاً مع فلوله إلى إشبيلية، بعد أن خلعه القرطبيون، وطلب أن تخلي له ولأصحابه الدور، اتفق زعماء المدينة، وعلى رأسهم أبو القاسم على إغلاق أبوابها، وصد المستعلي وصحبه البربر عن الدخول إليها، وأخرج من كان بها من ولد المستعلي وأهله، ومن زعماء البربر وأكابرهم. واتفق أهل إشبيلية، اتقاء لعدوان المستعلي وأشياعه من البربر، على أن يؤدوا له قدراً من المال، وينصرف عنهم، وتكون له الخطبة والدعوة، ولا يدخل بلدهم، ولكن يقدم عليهم من حكمهم ويفصل بينهم، فقدم عليهم القاضي أبا القاسم بن عباد، ورضى به الناس، وبذا انفرد ابن عباد أيضاً بالرياسة الشرعية، وقد كان منفرداً بها من الناحية الفعلية؛ وكان ذلك في أواخر سنة 414 هـ (1023 م) وبذلك انتهت رياسة البربر في إشبيلية، كما انتهت من قبل في قرطبة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015