طريقهم، وأجمعوا على قصد حصن قشترب، وأيأسوا من الخروج على غيره، فلما استقبل أمير المؤمنين لامه، وقطع بعض محلته، استقبل شَعْراء لا يتخللها المتفرد بحمده، ولا يتخلص منها المخف، لو لم يكن أحد يعترضه. ثم أشرف على خنادق قفرة ومهاو تتقاذفه، وأجراف منقطعة قد عرفها المشركون وقدموا إليها، وألقوا إلى ساقة الجيش فرسانهم، فدارت عليهم الحرب، وصرع فيها من جلة فرسانهم، ومتقدمي رجالهم جملة، لو أصيبت بحيث يتراء الجمعان لكانت سبب هزيمتهم، ولكنهم وثقوا بالوعد، وانتظروا تقدم الحماة وترادف الأثقال، فحامى أمير المؤمنين برجاله وخاصته عن المسلمين ساعات من النهار، حتى تقدم أكثرهم، وجازت الخندق لقتالهم، إلا من ضعفت دابته، ْأو ضعفت تعبئته عن استنفارها. فلما رأوا الخلل تصايحوا من قنن الجبال، وانحطوا من أعاليها انحطاط الأوعال، فأصابوا من الأمتعة والدواب المثقلة، ما لو أصاروا مثله في مجال حرب أو سهل من الأرض، لما أنكر مثله عند مقارعة الرجال، وتصرف الأحوال. وحامى صاحب العسكر عن كل من أجاز الخندق وخلص من مضايقه، حتى أسهلوا، واجتمع لأمير المؤمنين جيوشه وانتظمت جموعه، وسلم الله رجاله، فلم يصب منهم أحد. وفي ذلك دليل للسامع عن الموقعة أنها لم تدر بغلبة، ولا ظفر المشركون أظفروا به فيها عن مساواة ولا كثرة، ولكن ضيق المسالك، ووعر الطريق، وسوء فهم الدليل، خلى لما جلبه إلى أقدار الله تعالى التي لا تصرف، ومحنه التي لم يزل يمتحن بها أولياءه، ليعظهم، ويبتلي عبيده ليرهبهم، وأمير المؤمنين، شاكر لله تعالى على عظيم نعمه، وواقف على تصرف محنته، مستسهل ما اختص به في حب طاعته، ضارع إلى الله في التقبل لقوله وفعله. وكتابه إليك، وهو قافل بالمسلمين على أحسن أحوالهم، وأسهل طريقهم، وأجمعه بمعايشهم، إن شاء الله. فأمر بقراءة كتاب أمير المؤمنين على الناس قبلك أثر صلاة الجمعة ليشكرو الله على ما أنعم به من نصر إمامهم، وسلامة إخوانهم، والصنيع الذي عمهم، فإنه يحب الشاكرين، ويزيد الحامدين. واعهد نسخه إلى عمال الكور حولك إن شاء الله تعالى، والله المستعان. وكتب يوم الإثنين لثمان خلون من ذي القعدة سنة سبع وعشرين وثلاث ماية ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015