- 2 -

كتاب الخليفة الناصر لدين الله عن غزوة الخندق

(منقول من السفر الخامس من كتاب " المقتبس " لابن حيان، وهو المخطوط المحفوظ بالخزانة الملكية بالرباط، في حوادث سنة 327 هـ).

قال ابن حيان: وأما لفظ كتاب الفتح الوارد من قبل الناصر لدين الله إلى الحضرة بخبر هذه الغزوة من إنشاء عيسى بن فطيس الكاتب، فإن الفصل الذي رفع فيه خبر هذه الوقعة، وقع كما أثبته هاهنا:

" واستعزم الله أمير المؤمنين ليلته، واستخاره عن رحمته في النهوض إلى مدينة شنت مانكش دار الكفرة ومجمع النصرانية، التي إليها استركن عدو الله، وضاقت الحيل عليهم، ووثقوا بحصانته، ليعلمهم أن كلمة الله هي إظهار دينه، ونصر أوليائه، وإعزاز خلفائه، في مشارق الأرض ومغاربها، ولو كره المشركون، فضم صاحب المقدمة عمال الثغور عندهم وفرسانهم وخيلهم، واكتنف الجمع في مجنبتي العسكر مع من والاهم، وجرد الرجالة من الخيول بأسلحتهم، وصمد لجمع المشركين، فاستقبلهم بنية صادقة، ونفس صابرة، وجموع كثيفة، وكتايب تملأ الفضا، ومغانب تضيق عنها الشعاب، ويصير في سهل الأرض كالآكام، تتألق عليهم سوابغ الدروع، فإذا تداعوا، قلت موج تراكم، وإذا وقفوا فكأنما النقع عليهم ليل مظلم. فلما قربت العساكر من محل الخنازير، ثابوا فيما بينهم، وثاروا إلى خيولهم، وعلوا الشراقين، ينظرون إلى كتايب دين الله، بقلوب قد خلعها الذعر، وقبضهم عن التقدم الوجل، وجعلوا بينهم وبين المسلمين وادي بشررقه، ثقة بوعورته، وقلة مخاوضه، فلم ترعهم إلا مقدمة الجيش وراءه، قد سهل الله عليهم جوازه، وتبعتهم الأثقال، وتحيز أمير المؤمنين كدية سامية، يتطلع منها على عسكر المسلمين، فأمر بالاضطراب فيها للعسكر، وتقدمت الخيول بين يديه، وقد تلاحقت جموع الكفرة، وقدموا صلبانهم، ووثقوا بشيطانهم الذي غرهم. وكان المسلمون على نشطة إلى لقايهم، فلم ينتظر أولهم إلى أن توافي آخرهم، ولا فارسهم أن يقتعد براجلهم، وتخطوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015