معرفة الآثار والسير والأخبار، وكان جمّاعة للكتب، وقد جمع منها ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس. تقلد قضاء الجماعة بقرطبة سنة 394 هـ، مقروناً بولاية الصلاة والخطبة، وذلك إلى جانب عمله في الوزارة، وذلك أيام المظفر عبد الملك المنصور، وكان مشهوراً في أحكامه بالنزاهة والصلابة في الحق، ونصرة المظلوم، وله مؤلفات كثيرة منها كتاب " أسباب نزول القرآن " و" كتاب في فضائل الصحابة " و" أعلام النبوة ودلالات الرسالة " و" مسند حديث محمد بن فطيس " وغيرها، وتوفي ابن فطيس أثناء الفتنة البربرية في سنة 402 هـ (?).

* * *

ولما انقضى عهد الدولة العامرية، وانهارت الخلافة الأموية، واضطرمت الفتنة بالأندلس، انكمشت الحركة الفكرية، وشغلت الأمة الأندلسية بما دهاها من أمر الفتن المتوالية، وتعاقب الرياسات، ومع ذلك ففي غضون الفتنة، نجد من الخلفاء من يتذوق الشعر وينظمه. فقد كان الخليفة سليمان المستعين، أديباً متمكناً، وشاعراً مطبوعاً، أشاد ابن بسام بأدبه وشاعريته. وقد أوردنا له فيما تقدم قصيدته الرائعة التي يعارض فيها شعر الخليفة الرشيد. وكذلك كان الخليفة المستظهر أديباً شاعراً من الطراز الأول، وقد نوه ابن بسام بمواهبه الأدبية، وأورد له طائفة من القصائد الجيدة.

وحتى في ظل الخلافة الحمودية البربرية، كان للأدب والشعر دولة ومكانة، وكان الخليفة العالي خليفة مالقة أديباً ينظم الشعر. وكان من شعراء دولته الشاعر الكبير، عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني، وكان أديباً بارعاً، وشاعراً متقناً، وهو الذي مدح العالي بقصيدته الشهيرة التي مطلعها:

البرق لائح من أندرين ... ذرفت عيناك بالماء المعين

ونكتفي بتلك الصورة الموجزة، عن سير الحركة الفكرية الأندلسية، في عهد الإمارة، وعهد الخلافة. وقد ذكرنا فيما تقدم أثناء استعراضنا لتاريخ هذين العهدين كثيراً من تفاصيلها، وأشرنا إلى كثير من أعلام الفكر والأدب، ممن لم نر أن نعود إلى ذكره في هذا الفصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015