القرن التاسع، فى الوقت الذى كانت غرناطة تسلم فيه أنفاسها الأخيرة، عدة من المفكرين والأدباء الذين يستحقون الذكر والتنويه.
وكان من هؤلاء القاضى أبو عبد الله محمد بن على بن محمد بن القاسم الأصبحى المعروف بابن الأزرق المتوفى سنة 895 هـ (1490 م)، أصله من وادى آش، وتولى قضاء الجماعة فى غرناطة. وكان بارعاً فى النثر والنظم والتاريخ. ومن آثاره كتاب فى السياسة الملكية عنوانه: "الإبريز المسبوك فى كيفية أدب الملوك " (سنة 838 هـ). وكتاب "بدائع السلك فى طبائع الملك" لخص فيه كثيراً من آراء ابن خلدون فى مسائل الرياسة والملك وعلق عليها، وأتى فى موضوعها بزيادات جديدة، وقسمه إلى أربعة كتب، الأول فى حقيقة الملك والخلافة وسائر أنواع الرياسة، والكتاب الثانى فى أركان الملك وقواعد مبناه ضرورة وكمالا، والثالث فيما يطالب به السلطان تيسيراً لأركان الملك وتأسيساً لقواعده، والرابع فى عوائق الملك وعوارضه (?). وله أيضاً كتاب "روضة الأعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام". ولما ساءت الأحوال فى غرناطة وأشرفت على السقوط، عبر البحر إلى تلمسان، ثم ارتحل إلى المشرق، ونزل بالقاهرة فى عصر السلطان الأشرف قايتباى، واتصل به، وحاول أن يستحث همته لتسيير جيش إلى الأندلس لاسترداد غرناطة (?)؛ ومن شعره المؤثر حين نزل النصارى بمرج غرناطة:
مشوق بخيمات الأحبة مولع ... تذكره نجد وتغريه لعلع
مواضعكم يا لائمين على الهوى ... فلم يبق للسلوان فى القلب موضع
ومن لى بقلب تتلظى فيه زفرة ... ومن لى بجفن تنهمى منه أدمع
رويدك فارقب للطائف موقعاً ... وخل الذى من شره يتوقع
وصبراً فإن الصبر خير تميمة ... ويا فوز من قد كان للصبر يرجع
وبت واثقاً باللطف من خير راحم ... فألطافه من لمحة العين أسرع (?).