سرعان ما انكمشت هذه النهضة الفكرية والأدبية الزاهرة، عقب مصرع دول الطوائف، واستيلاء المرابطين على الأندلس فى سنة 484 هـ (1901 م). وكان أولئك البربر الصحراويون قوماً غلاظاً، يؤثرون مهاد الجندية والخشونة، وتغلب عليهم الأفكار الرجعية العتيقة، لم تأخذهم مظاهر الحضارة الأندلسية المصقولة، ولم تكن -إذا اسثنينا العلوم الدينية- تهزهم أصداء الشعر والآداب الرفيعة، اللهم إلا ما كان من حشدهم لبعض أكابر الكتاب الأندلسيين فى البلاط المرابطى، ليكونوا ترجمانا للدولة. وحتى العلوم الدينية كانت تدرس فى ظلهم فى إطار خاص يغلب فيه علم الفروع على الأصول، ومن ثم فقد طوردت فى ظلهم -فضلا عن الكتب الفلسفية والعلمية- كتب الأصول المشرقية، وفى مقدمتها كتب الغزالى. وترتب على ذلك أن ركدت فى ظلهم دولة التفكير والأدب وذَوَى بهاء الحضارة الأندلسية. أجل، سطعت فى ظل دولتهم القصيرة الأمد، فى ميدان التفكير الأندلسى، جمهرة من الشخصيات اللامعة من حفاظ وكتاب وشعراء، وعلماء، مثل الحافظ ابن الجد الفهرى المتوفى سنة 515 هـ (1121 م)، وأبو عبد الله بن أبى الخصال المتوفى سنة 540 هـ (1145 م)، وأبو بكر الصيرفى المتوفى سنة 570 هـ (1174 م). وأبو بكر الطرطوشى الفيلسوف السياسى المتوفى سنة 520 هـ (1126 م)، صاحب كتاب "سراج الملوك"، والفتح ابن خاقان المتوفى سنة 535 هـ (1140 م)، وابن بسام الشنترينى صاحب "الذخيرة" المتوفى سنة 542 هـ (1147 م)، وابن قزمان أمير الزجل الأندلسى المتوفى سنة 555 هـ (1160 م)، ومن العلماء أبو القاسم خلف بن عباس القرطبى الطبيب الأشهر المتوفى سنة 519 هـ (1122 م)، وابن باجة الطبيب الفيلسوف المتوفى سنة 533 هـ (1138 م) - وهو المعروف باللاتينية باسم صلى الله عليه وسلمvempace.

ولكن ظهور هؤلاء وأضرابهم فى هذه الفترة، لم يكن إلا أثراً من آثار النهضة الفكرية والأدبية فى ظل دول الطوائف (?).

وفى ظل دولة الموحدين، التى خلفت دولة المرابطين فى حكم الأندلس، انتعشت الحضارة الأندلسية والتفكير الأندلسى. وقد نشأ الموحدون كالمرابطين فى مهاد الخشونة والتقشف، ولكنهم كانوا أوسع أفقاً، وأكثر قبولا لثمار التمدن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015