الموريسكيين، عنصراً بارزاً فى تنظيمها وتوجيهها، وكانت فكرة الانتقام للأمة الشهيدة، تجثم فى معظم الأحيان وراء هذه الغارات المخربة. ولما تم نفى الموريسكيين من الأراضى الإسبانية حسبما نفصل بعد، زادت هذه الفكرة وضوحاً واشتدت وطأة الغارات، بما انتظم فى صفوف المجاهدين من المنفيين، وغدت سلا بالأخص بمرفئها البديع، الذى تحميه الخلجان المحجوبة مركزاً لأولئك المجاهدين، ومنها توجه أقوى الحملات المغيرة على الشواطىء الإسبانية (?).

ولبث البحارة الترك عصراً، يتزعمون هذه الغارات البحرية، وجل اعتمادهم على النواتية المغامرين من المغاربة والموريسكيين؛ ثم أخذت هذه الغارات تفقد مغزاها القديم بمضى الزمن، وتنقلب إلى حملات ناهبة، تنظم على الشواطىء الإيطالية كما تنظم على الشواطىء الإسبانية، وترمى قبل كل شىء إلى تغذية أسواق المغرب والشرق الأدنى، بأسراب الرقيق. وكان يشترك مع البحارة الترك والمغاربة مغامرون من الإفرنج من سائر الأمم. وألفى الباشوات أو الدايات الترك، الذين بسطوا حكمهم منذ أواخر القرن السادس عشر على طرابلس وتونس والجزائر، فى هذه الحملات الناهبة، فرصة سانحة للغنم، فكانوا يمدون الرؤساء والزعماء بصنوف العون، عند الحط والإقلاع فى ثغورهم، وكان الرؤساء من جانبهم، يقدمون إلى خزينة الباشا أو الداى عشر الغنائم. واسترق بهذه الطريقة عشرات الألوف من النصارى، واستمرت هذه الغارات بعد ذلك زمناً طويلا (?).

وحدثت فى تلك الآونة التى اشتدت فيها الغارات البحرية على الشواطىء الإسبانية، فى أوائل عهد فيليب الثالث، فى عدوة المغرب أحداث أخرى، زادت فى توجس السياسة الإسبانية، من مساعى الموريسكيين فى استعداء مسلمى إفريقية. وذلك أنه على أثر وفاة السلطان أحمد المنصور ملك المغرب فى سنة 1012 هـ (1603 م) اضطرمت الحرب الأهلية بين أبنائه الثلاثة، أبى عبد الله المأمون المعروف بالشيخ، وكان ولى عهده الذى اختاره للملك من بعده،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015