ولكنهم لبثوا كفرة فى سرائرهم، وهم يذهبون إلى القداس تفادياً للعقاب، ويعملون خفية فى أيام الأعياد، ويحتفلون يوم الجمعة أفضل من احتفالهم بيوم الأحد، ويستحمون حتى فى ديسمبر، ويقيمون الصلاة خفية، ويقدمون أولادهم للتنصير خضوعاً للقانون، ثم يغسلونهم لمحو آثار التنصير، ويجرون ختان أولادهم، ويطلقون عليهم أسماء عربية، وتذهب عرائسهم إلى الكنيسة فى ثياب أوربية، فإذا عُدن إلى المنزل استبدلنها بثياب عربية، واحتفل بالزواج طبقاً للرسوم العربية" (?).

والظاهر أن هذه الأقوال تنطوى على كثير من الصدق. ذلك أن الأمة الموريسكية المهيضة، بقيت بالرغم مما يصيبها من شنيع العسف والإرهاق، متعلقة بتراثها الروحى القديم. وبالرغم مما فرض على الموريسكيين من نبذ دينهم ولغتهم، فقد لبث الكثير منهم مسلمين فى سرائرهم، يزاولون شعائرهم القديمة خفية، ويكتبون أحكام الإسلام والأدعية والمدائح النبوية بالقشتالية الأصلية، أو بالقشتالية المكتوبة بأحرف عربية، وهى التى تعرف بالألخميادو صلى الله عليه وسلمljamiado أى "الأعجمية" وهو ما نعود إلى التحدث عنه بعد. وقد انتهى إلينا الكثير من الكتب الدينية والأدعية والمدائح الإسلامية الموريسكية مكتوبة "بالألخميادو" وكثير منها يدور حول سيرة النبى العربى، وشرح تعاليم القرآن والسنة، يتخللها كثير من الخرافات والأساطير المقدسة (?). بيد أنها تدلى بما كانت تجيش به هذه النفوس المعذبة من إخلاص راسخ لدينها القديم، وإن التبست عليهم أصوله وشعائره بمضى الزمن.

وقد لبث ديوان التحقيق على نشاطه ضد الموريسكيين طوال القرن السادس عشر، ولم يفتر هذا النشاط حتى أواخر هذا القرن، مما يدل على أن آثار الإسلام الراسخة بقيت بالرغم من كر الأعوام وتوالى المحن، دفينة فى قلب الشعب المضطهد، تنضح آثارها من آن لآخر. يدل على ذلك ما تسجله محفوظات الديوان، من أن قضايا الموريسكيين أمام محاكم التحقيق، بلغت فى سنة 1591، 291 قضية، وبلغت فى العام التالى 117 قضية، وظهر فى حفلة " الأوتو دافى " صلى الله عليه وسلمuto da-fé التى أقيمت فى 5 سبتمبر سنة 1604 ثمانية وستون موريسكياً، نفذت فيهم الأحكام،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015