ولما عاد الوفد إلى غرناطة، سُر ابن الأحمر من كرم السلطان ونبل مسلكه، واعتزم الرحلة للقائه بنفسه، وتأكيد المودة والاعتذار، فعبر البحر إلى العدوة فى أواخر سنة 692 هـ (1292 م) ومعه طائفة من الهدايا الفخمة، ونزل بطنجة حيث استقبله بعض أبناء السلطان، ثم جاء السلطان بنفسه إلى طنجة، وتلقاه بمنتهى الإكرام والحفاوة، ونزل له ابن الأحمر عن الجزيرة ورندة وأراضى الغربية، وعدة من الحصون كانت من قبل فى طاعة ملك المغرب. وعاد ابن الأحمر مغتبطاً بنجاح مهمته؛ وأرسل السلطان معه حملة لغزو طريف بقيادة وزيره عمر بن السعود، فحاصرتها حيناً ولكنها لم تظفر بافتتاحها (?).
وكان لمحمد الفقيه، بالرغم من سمته العلمية، وقائع طيبة فى ميدان الجهاد ضد النصارى. ففى المحرم سنة 695 هـ (أواخر 1295 م) على أثر وفاة سانشو ملك قشتالة، زحف جيشه على أراضى قشتالة، وغزا منطقة جيَّان، ونازل مدينة قيجاطة (?) واستولى عليها، وعلى عدة من الحصون التابعة لها، وأسكن بها المسلمين. وفى صيف سنة 699 هـ (1299 م)، غزا أراضى قشتالة مرة أخرى، وزحف على مدينة القبذاق الواقعة جنوب غربى جيان، ودخل قصبتها وتملكها، وأسكن بها المسلمين (?).
واستمر محمد بن محمد بن الأحمر أو محمد الفقيه فى حكم غرناطة أعواماً أخرى، وهو ثابت العهد مقيم على صداقة بنى مرين. ومما هو جدير بالذكر أنه قبيل وفاته بقليل عقد معاهدة صلح وتحالف مع ملك أراجون خايمى الثانى ضد قشتالة، وذلك تجديداً وتعديلا لمعاهدة صلح سابقة عقدت بينهما فى سنة 695 هـ (1299 م). وقد نص فى هذه المعاهدة الجديدة على عقد "صلح ثابت وصحبة صادقة" وأن يلتزم كل من الفريقين عدم الإضرار بالآخر على يد أحد من رعاياه، وأن تكون أراجون معادية لأعداء غرناطة سواء من المسلمين أو قشتالة، وأن يفتح بلد كل من الفريقين لمن يقصده من تجار البلد الآخر مؤمنين فى أنفسهم وأموالهم، وأخيراً يتعهد ملك غرناطة بمعاونة أراجون ضد ملك قشتالة، وألا يعقد معه صلحاً إلا