وهكذا اعتزم السلطان أبو يوسف أن يؤدى رسالة المغرب التاريخية فى إنجاد الأندلس ونصرتها، وكان بنو مرين فى عنفوان دولتهم يجيشون بنزعة الجهاد الفتية.
وخرج السلطان من فاس فى رمضان سنة 673 هـ برسم الجهاد فى الأندلس، وأرسل للمرة الثانية إلى الأمير يَغْمُراسن صاحب تلمسان، يعرض الصلح توحيداً للكلمة وتعضيداً للجهاد. فقبل يغمراسن وتم الصلح. وبادر السلطان فجهز ولده أبا زيان (?) فى خمسة آلاف مقاتل، فعبر البحر من قصر المجاز (قصر مصمودة) إلى الأندلس، ونزل بثغر طريف فى شهر ذى الحجة سنة 673 هـ (1275 م)، ونفذ إلى أرض النصارى حتى شَريش، وعاث فيها وعاد مثقلا بالسبى والغنائم، وقدَّم إليه ابن هشام وزير ابن الأحمر ثغر الجزيرة فنزل فيه، وجاز ابن هشام إلى العدوة فلقى السلطان أبا يوسف فى معسكره على مقربة من طنجة. وكان السلطان قد استكمل أهبته، فعبر من قصر المجاز إلى الأندلس فى صفر سنة 674 هـ (يوليه 1275 م)، فى جيش كثيف من البربر، داعيا إلى الجهاد على سنة أسلافه المرابطين والموحدين. وكان أبو يوسف قد اشترط على ابن الأحمر حينما استنجد به، أن ينزل له عن بعض الثغور والقواعد الساحلية، لتنزل بها جنوده فى الذهاب والإياب. فنزل له عن رندة وطريف والجزيرة، ونزل أبو يوسف بجيشه فى طريف، وهرع ابن الأحمر وبنو أشقيلولة إلى لقائه، واهتزت الأندلس كلها لعبور ملك المغرب. ولكن ابن الأحمر ما لبث أن غادره مغضبا لما رأى من تدخله فى شئون الأندلس بصورة مريبة. ذلك أن بنى أشقيلولة أصهار بنى الأحمر، وفى مقدمتهم محمد بن أشقيلولة زعيم الأسرة وزوج أخت محمد بن الأحمر، وأخوه أبو الحسن زوج ابنته، كانوا يجيشون نحو عرش غرناطة بأطماع خفية. وكان أبو محمد ممتنعاً بمالقة مغاضبا لملك غرناطة حسبما قدمنا. فلما عبر أبو يوسف إلى الأندلس، سار إليه وانضوى تحت لوائه، ولم يفلح أبو يوسف فى التوفيق بين ابن الأحمر وبين أصهاره، وخشى ابن الأحمر عاقبة هذا التحالف بين أصهاره وبين أبى يوسف، فارتد إلى غرناطة حذرا متوجسا.
ونفذ السلطان أبو يوسف بجيشه إلى بسائط الفرنتيره (?) وكانت فى يد النصارى