ورأيت إلى جانب هذه الوثائق التاريخية، أن أتقصى المصادر القشتالية الكلاسيكية، ومنها بعض الروايات المعاصرة للمأساة أو القريبة منها، ولم أشأ أن أترك آراء المؤرخين القشتاليين وأحكامهم جانباً، بالرغم مما يشوب هذه الآراء والأحكام في كثير من الأحيان من التحامل. وقد انتفعت بثمار مراجعة دقيقة شاملة لأهم المصادر القشتالية، ونخص فيما يتعلق بالرواية التاريخية بالذكر ثلاثة منها هي: رواية هرناندو دي بايثا المعاصرة عن أحداث الأعوام الأخيرة لمملكة غرناطة؛ ورواية لويس دل مارمول المستفيضة عن سقوط غرناطة، وثورة العرب المتنصرين وقد كتب روايته بعد سقوط غرناطة بنحو ثمانين عاماً، وشهد ثورة العرب المتنصرين منذ بدايتها إلى نهايتها؛ وتاريخ غرناطة للمؤرخ الغرناطي لافونتي ألقنطرة، وقد كتب في القرن الماضي، وهو زاخر بالمعلومات والتفاصيل القيمة؛ ورجعت فيما يتعلق بالعرب المتنصرين ونفيهم، إلى عدة من أكابر المفكرين والمؤرخين الإسبان الذين يعتد بآرائهم في هذا الميدان، وفي مقدمتهم موديستو لافونتي، وخانير، وبيكاتوستي، ومننديث إي بلايو، ونقلت من تعليقاتهم على مأساة النفي ونتائجها فقرات طويلة، تعرض آراءهم وأحكامهم بوضوح، وحرصت على نقل آراء المؤيدين والمعارضين على السواء.

وقد عنيت عناية خاصة بالتجوال في مملكة غرناطة القديمة، فزرت سائر مدنها: غرناطة، وألمرية، والمنكب، وبسطة، ووادي آش، ومالقة، وبلش، ولوشة، والحامة، ورندة، وأركش، والجزيرة، وطريف، وجبل طارق، كما زرت كثيراً من بلدانها وقراها، وزرت مدينة غرناطة ذاتها عشر مرات، وشهدت في بسائطها ونجودها وأحيائها، كثيراً من الأماكن التي كانت مسرحاً لكثير من الحوادث والوقائع الشهيرة، وتجولت في مرجها الشهير، وعلى ضفاف نهرها القديم شَنيل، وصعدت إلى جبال سيرّا نفادا ذات الآكام الناصعة، وشهدت بمدينة الحمراء - وهي التي مازال قصرها المنيف، وأبهاؤها الرائعة، عنواناً لمجد غرناطة الإسلامية وحضارتها العظيمة - سائر الأماكن التي اختتمت فيها المأساة الأندلسية، والتي تذكرها الرواية في كثير من المناسبات المشجية.

وشغلت مدى أعوام، بدراسة هذه المجموعة الزاخرة من الوثائق والمصادر، وإعداد هذه الطبعة الجديدة من "نهاية الأندلس"، أو بعبارة أخرى بكتابة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015