والعراق وبغداد، وأخذ عن أكابر علمائها، وجاور بمكة، وسمع الحديث من أكابر حفاظها. وعاد من رحلته الثانية إلى إشبيلية سنه 604 هـ، وأخذ عنه الطلاب عندئذ بإشبيلية وقرطبة. ثم رحل إلى المشرق للمرة الثالثة سنة 612 هـ، وجاور بالحرمين عدة أعوام، وحج مراراً، وسلك طريقة التصوف، وغلب عليه الزهد، وتوفي في طريق العود، بثغر الإسكندرية سنة 617 هـ (?).

ومن أشهرهم وأبعدهم صيتا، جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونه الخزاعى العابد، من أهل قسنطانة من عمل دانية. درس القراءات والحديث، وأخذ عن ابن هذيل، وابن النعمة، ورحل إلى المشرق، فأدى فريضة الحج، ودخل الإسكندرية فسمع السلفى، ثم عاد إلى بلده، ولزم العزلة والزهد، والإعراض عن الدنيا، وسلك طريقة التصوف، وكان شيخ المتصوفة بالأندلس في وقته، وعلا صيته، وذاع ذكره، في الزهد والورع، وتوفي عن نحو مائة عام في شهر ذي العقدة سنة 624 هـ، ولبث قبره حينا مزارا يتبرك به الناس (?). ومنهم محمد بن عبد الله بن محمد بن خلف بن قاسم الأنصاري من أهل بلنسية، وأصلهم من قلعة أيوب بالثغر الأعلى. درس القراءات والفقه والعربية والآداب، وأخذ عن أبي العطاء بن نذير، وأبي عبد الله بن نوح، وأبي الخطاب ابن واجب وغيرهم. وعنى لأول أمره بعقد الشروط، ثم اعتزل الحياة وتزهد، وانقطع للعلم والعبادة، وتصدر لإقراء التفسير بجامع بلنسية، وغلب عليه التصوف. وألف كتاب " نسيم الصبا " في الوعظ، وكتاب " النفوس الزكية في الخطب الوعظية "، وكان من أساتذة ابن الأبار، أخذ عنه وكتب عنه بعض كتبه. ولما وقع حصار النصارى لبلنسية، وجهه أميرها إلى مرسية لاستنهاض همم أهلها. وتوفي بأوريولة في رجب سنة 640 هـ (?).

ومحمد بن مفضل بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد بن مهيب اللخمى، أصله من طبيرة من أعمال الغرب، وسكن ألمرية. كان فقيهاً وأديباً وشاعراً، مائلاً إلى التصوف، ولى الخطبة بقصبة ألمرية حيناً، ثم نزح إلى تونس، ثم إلى سبتة وبها توفي سنة 645 هـ، ومن مؤلفاته كتاب " الجواهر الثمينة " (?).

ونختتم هذا الثبت القصير من متصوفة الأندلس في أواخر العهد الموحدي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015