بلاط مراكش، ليكونوا لسانا للخليفة الموحدي، وترجمانا له، في مخاطبة الولاة والقبائل والكافة، سواء بالمغرب أو الأندلس، وكان معظم هؤلاء الكتاب من أهل الأندلس، ومنهم كذلك عدة من أكابر الكتاب المغاربة. فكان من الأندلسيين في بلاط عبد المؤمن، أبو الحسن بن عياش القرطبي، وأخيل ابن إدريس الرندي، والخطيب أبو الحسن بن الإشبيلي. ومن المغاربة، أبو جعفر ابن عطية، وأخوه عقيل بن عطية، ولو أنهما ينتميان إلى أصل أندلسي. واستمر أبو الحسن ابن عياش في منصب الكتابة، في عهد أبي يعقوب يوسف. وكان يعاونه اثنان من ألمع الكتاب المغاربة في ذلك، هما أبو القاسم القالمي، وتلميذه أبو الفضل طاهر بن محشرة. وتولى الكتابة في عهد يعقوب المنصور، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عياش البرشانى، وأبو الفضل بن محشرة. وكتب للناصر ولد المنصور، أبو عبد الله محمد بن عياش، وأبو الحسن على ابن عياش، ومن المغاربة أبو عبد الله محمد بن يخلفتن الفازازى، وكتب الأول كذلك للمستنصر. وحتى في أواخر عهد الدولة الموحدية حينما أدركها الانحلال والوهن، نجد مثل هذه العناية بمنصب الكتابة، والحرص على استخدام الكتاب البلغاء. فقد كتب للمأمون، وهو نفسه من الكتاب البلغاء، كاتب من أعظم أئمة البيان الأندلسيين، هو أبو المطرف بن عميرة المخزومي، وكتب معه أبو الحسن الرعينى، وأبو عبد الله بن عياش، ومن كتاب المغرب، أبو زكريا الفازازى. وكتب أبو المطرِّف بن عميرة وأبو زكريا الفازازى كذلك للرشيد. وهكذا نجد البلاط الموحدي، حتى أواخر عهد الدولة، حريصاً على الاحتفاظ لديوان الكتابة والترسل، بمستواه الرفيع، الذي بلغه منذ عهد الخليفة عبد المؤمن. وإنا لنجد ذلك الحرص، من جانب الخلافة الموحدية، على بلاغة الترسل المترجم عنها في تلك المجموعة من الرسائل، التي صدرت عن الخلفاء المتعاقبين، في مختلف الشئون، الشرعية، والإدارية، وعن سير الغزوات ْوالفتوحات الموحدية، والتي أشرنا إليها، واقتبسنا من محتوياتها، في مواطن عديدة، فيما تقدم، من فصول هذا الكتاب (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015