العدد، وقد كان من جراء هذا الفشل، أن اتجه الخليفة إلى حصار المدينة. وفي اليوم التالي اجتمع الأشياخ والقواد، وأمر الخليفة أن يخرج ربع الناس من جميع العساكر لزرع الغلات والعلوفات وتحصيل الأقوات، استعداداً لحصار المدينة، فخرج الناس لذلك، وطوق الموحدون المدينة، ومنعوا عنها ماء الوادي، وأمر الخليفة بصنع السلالم والأبراج الخشبية لمقاتلة النصارى في جوانب المدينة. ويقول لنا ابن صاحب الصلاة إن رسولا من النصارى جاء في ذلك اليوم يعرض تسليم المدينة بالأمان، فلم يلتفت إليه، فكرر مسعاه في مساء نفس اليوم، فصرف بغير طائل.

وفي صبيحة يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة (14 يوليه) هبت ريح صيفية عاصفة، فأوقعت الاضطراب بمعسكر الموحدين، واقتلعت الأخبية، وفاضت الغدور، وقضى الموحدون ليلتهم في التحوط ضد عصف الريح. وفي صباح اليوم التالي قدم الشيخ أبوحفص عمر بن يحيى من مرسية في جند أهل الشرق، ومعه أبو الحجاج يوسف بن مردنيش وأهل بلنسية والثغر، فخرج إليه الخليفة وسائر الإخوة والأشياخ والزعماء والطلبة، واستقبل استقبالا حافلا. ثم نزل جند الشرق بالجبل المجاور لوبذة ليعاونوا في تشديد الحصار، وشهد القشتاليون من مدينتهم مقدم هذا الجيش الجديد في توجس وفزع. وفي مساء نفس اليوم، هبت ريح عاصفة أخرى أشد من السابقة، فاقتلعت خيام الموحدين، ومزقتها، ثم تلاها مطر وابل ورعد قاصف وبرق. وكانت فرصة طيبة للنصارى أن ارتووا من مياه الأمطار. ويلاحظ ابن صاحب الصلاة أن هذه الرياح قد عصفت، والأمطار قد هطلت " في أشد ما يكون من الحر " في شهر يونيه العجمى (وصحته يوليه).

وفي صباح اليوم التالي - الاثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة - هاجم الموحدون القشتاليين على الأسوار، ولكنهم ما كادوا يبدأون القتال، حتى أظلمت السماء، وقصف الرعد والبرق، وهطل المطر غزيراً كالسيل، فأغرقت ثياب الموحدين وعجزوا عن القتال، وفزع الناس من تكرر هذه الظاهرة، واعتبروها سخطاً من الله، ورغبوا في التوبة إليه، وارتد الخليفة والناس، وقد اكتسحت السيول الهضبة، وعند الظهر أشرقت السماء، وارتفع المطر، فعاد الموحدون إلى القتال وفق ترتيبهم السابق، ودام القتال حتى المساء، ولكن دون جدوى.

وفي ليلة الأربعاء، قام القشتاليون بهجوم مفاجىء من القطاع الذي يحتله جند هسكورة، ففروا منه منهزمين، فلما علم الخليفة في الصباح، أمر بضربهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015