بعث بها الخليفة عثمان إلى الأمصار - مكة والبصرة والكوفة والشام - وكان من ذخائر بني أمية بالأندلس، يودعونه بجامع قرطبة الأعظم. وقد وصفه لنا الإدريسي عند حديثه عن جامع قرطبة في الفقرة الآتية: " وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطشوت ذهب وفضة وحسك، وكلها لوقيد الشمع في كل ليلة من شهر رمضان ْالمعظم. ومع ذلك ففي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله، فيه أوراق من مصحف عثمان بن عفان، وهو المصحف الذي خطه بيمينه رضي الله عنه، وفيه نقط من دمه. وهذا المصحف يخرج في صبيحة كل جمعة، ويتولى إخراجه رجلان من قومة المسجد، وأمامهم رجل ثالث بشمعة. وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش وأدقه وأعجبه، وله بموضع المصلى كرسي يوضع عليه، ويتولى الإمام قراءة نصف حزب منه، ثم يرد إلى موضعه " (?).

فلما استولى الموحدون على قرطبة، كان من أجل أماني عبد المؤمن أن ينقل هذا المصحف إلى مراكش، ويقال إن أهل قرطبة هم الذين عملوا على إهدائه إلى الخليفة الموحدي، وكان إخراجه من جامع قرطبة في اليوم الحادي عشر من شوال سنة 552 هـ، وحمله إلى المغرب السيدان أبو سعيد وأبو يعقوب ولدا الخليفة، فلما وصل إلى مراكش استقبله الخليفة بأعظم آيات التبجيل والإجلال، وصنع له كسوة عظيمة مرصعة بأنواع اليواقيت والأحجار النفيسة، وتابوتاً من صفائح الذهب المرصع بالياقوت الأحمر، وعمل لحمله كرسي فاخر كذلك، وكان عبد المؤمن يحمله بعد ذلك في مقدمة جيشه في حملاته تبركاً به، وقد حمله معه في غزوة المهدية سنة 554 هـ (?). ولبث هذا المصحف النفيس لدى الخلفاء الموحدين زهاء قرن آخر حتى أواخر دولتهم.

وأمر عبد المؤمن في نفس العام، بإنشاء المسجد الجامع بمراكش، وبدىء بإنشائه في أوائل ربيع الآخر سنة 553 هـ، وأنشأ له " ساباطاً " يوصل إليه من القصر مباشرة، وزوده بمنبر فخم أمر بصنعه في الأندلس، من خشب العود والصندل، المغطى بصفائح الذهب والفضة، وصنع له مقصورة من الخشب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015