استمالة الناس، وتهدئة روعهم ولاسيما بعد الذي " أحدثه السفيه المعتوه ابن أبي السداد من إيحاشهم وترويعهم " (?).

ويستفاد من هذه الرسالة أن القائد ابن أبي السداد، وقد كان والياً لثغر دانية، حسبما تقدم ذكره، قد وُلي على ميورقة عقب استردادها في أواخر سنة 509 هـ، وأنه توفي بعد قليل من ولايته، وأنه لم يحسن السيرة مع أهل الجزائر خلال ولايته القصيرة. وعلى أثر وفاته، قام أمير المسلمين علي بن يوسف باختيار خلف له. وبالرغم من أن اسم الوالي الجديد لم يرد في الرسالة، ولا في ديباجتها، فإنه يبدو من المرجح أنه لم يكن سوى وانور بن أبى بكر، وهو أول وال حقيقي، وليها عقب الاسترداد. أما إغفال أبى السداد في رواية ابن خلدون وغيره، فالظاهر أنه يرجع إلى قصر ولايته، التي لم تتجاوز بضعة أشهر.

ولبث وانور بن أبى بكر والياً على الجزائر زهاء عشرة أعوام. وكان ظلوماً صارماً، فعصف بأهل الجزائر واشتد في إرهاقهم. وكان من أهم أسباب سخطهم عليه " أنه أراد أن يرغمهم على ترك ثغر ميورقة، وإنشاء مدينة أخرى داخل الجزيرة "، تكون بعيدة عن البحر. وأخيراً اضطرمت الجزيرة بالثورة وغلب الثوار على وانور. وقضبوا عليه ووضعوه في الأصفاد، وبعثوا إلى أمير المسلمين يشرحون أحوالهم وظلاماتهم، فاستجاب على إلى صريخهم، وعين والياً جديداً للجزائر، هو محمد بن علي بن غانية المسّوفي، أخى يحيى بن غانية الأصغر، وكان عندئذ يتولى النظر على بعض أعمال قرطبة، فقدم إلى الجزائر في سنة 520 هـ (1126 م)، وأقر أهلها على ما فعلوه بواليهم السابق وانور، وبعثه مصفداً إلى مراكش لينظر هنالك في أمره (?).

وقد شاء القدر أن يكون تعيين محمد بن غانية لولاية الجزائر الشرقية، ممهداً لتطور أحوالها، ودخولها في عهد جديد من تاريخها، وقيام دولة جديدة مستقلة بها هي دولة بني غانية. ذلك أن محمد بن غانية ضبط الجزائر، وحكمها بقوة وحزم، وطالت أيامه بها، حتى توفي أمير المسلمين علي بن يوسف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015