ومما تجدر ملاحظته أن تاريخ الأندلس كتاريخ الحروب الصليبية، يمتاز في كثير من الأحيان بتباين واضح بين الرواية الإسلامية والرواية النصرانية، وقد تتأثر هذه الرواية أو تلك، بالمؤثرات القومية أو الدينية؛ ولكن الرواية الإسلامية فيما يتعلق بتاريخ الأندلس، تبدو على العموم أقل تحاملا، وأكثر دقة واعتدالا.
وأما الرواية النصرانية فكثيرا ما يشوبها الإغراق والتحامل، وينقصها الإنصاف والدقة. ويرجع ذلك إلى أن الروايات النصرانية الأولى، التي كتبت عن تاريخ اسبانيا المسلمة، كانت من تصنيف بعض الأحبار المتعصبين، وإلى أن مؤرخي اسبانيا المحدثين، لبثوا حتى أواخر القرن الثامن عشر يكتبون تاريخ اسبانيا من ناحية واحدة، ويرجعون إلى المصادر النصرانية دون غيرها، ويجتنبون كل بحث أو تنقيب في المصادر العربية، وذلك بالرغم من أن تاريخ اسبانيا المسلمة يشغل أعظم مكانة في تاريخ اسبانيا في العصور الوسطى، ويكون صفحة من أمجد صفحاته. وقد نعى النقد الإسباني الحديث نفسه هذا المسلك على مؤرخي اسبانيا النصرانية، فمثلا يقول العلامة المستشرق الإسباني جاينجوس في مقدمة ترجمته لكتاب نفح الطيب: " إن ماريانا وأكابر المؤرخين الإسبانيين تحدوهم عاطفة بغض قومي عميق، أو نزعة تعصب ديني، أبدوا دائما أبلغ الإحتقار لمؤلفات العرب .. فكانوا يرفضون وسائل البحث التي تقدمها لهم الوثائق التاريخية العربية الكثيرة، ويهملون المزايا التي قد تترتب على المقارنة بين الروايات النصرانية والإسلامية، ويؤثرون أن يكتبوا تواريخهم من جانب واحد. وقد ترتب على هذا الروح الضيق الذي يطبع كتاباتهم أثر واضح. ذلك أن تاريخ اسبانيا في العصور الوسطى، ما يزال بالرغم من كل ما أفاض عليه النقدة المحدثون، معتركا من الخرافة والمتناقضات ".
وقد أرسل العلامة جاينجوس هذه الصيحة منذ نحو قرن. ومع ذلك فإن فريقا من المؤرخين والمفكرين الإسبان، ما زال حتى عصرنا يعتبر تاريخ الأمة الأندلسية صفحة بغيضة من التاريخ القومي، وأن القضاء على الأمة الأندلسية وعلى حضارتها إنما هو نصر قومي باهر، وأن مطاردات ديوان التحقيق المروعة لبقايا الأمة المغلوبة، إنما هي عمل إنقاذ وسلام. وينسى هذا الفريق أو يتناسى كل المزايا، وكل الجهود الإنتاجية، وكل التراث الحضاري، وكل التقدم الإنسان الذي