والزراعة، ولاسيما في طليطلة وإشبيلية، حيث كانت حدائق بني ذى النون في الأولى، وحدائق بني عباد في الثانية، تشغل مساحات واسعة، وتتطلب عناية الخبراء الممتازين. وكان من علماء النبات والفلاحة البارعين في طليطلة ابن وافد الطبيب المشهور، وكان يشرف على حدائق بني ذى النون.

وأبو عبد الله بن بصّال العالم الزراعي، الذي عاش في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي. وقد اشتهر ابن بصّال بتجاربه العلمية الناجحة في توليد الغراس، ومكافحة الآفات الزراعية، وكتابه " الفلاحة " الذي انتهى إلينا، وهو المشتق من دراساته وتجاربه العملية، يشهد ببراعته وتفوقه في هذا الميدان.

ولما سقطت طليطلة في أيدى النصارى، غادر ابن بصّال طليطلة إلى إشبيلية، وعهد إليه هنالك بالإشراف على بساتين بني عباد. وكان من هؤلاء العلماء أيضاً أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج، وقد عاش في إشبيلية، وألف كتاباً في الزراعة اسمه " المقنع " لم يصل إلينا. وأبو عبد الله محمد ابن مالك الطغنري، وهو غرناطي عاش في أواخر القرن الحادي عشر، وتتلمذ على ابن بصّال، ووضع كتاباً في الفلاحة سماه " زهر البستان ونزهة الأذهان ". وكان منهم بقرطبة ابن لونكو الذي عاش في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وكان أيضاً من تلاميذ تلك المدرسة الزراعية الزاهرة. وقد توفي في سنة 498 هـ (1104) (?).

وأما عن الصناعات، فقد كانت كذلك في عصر الطوائف رائجة زاهرة، وكانت تشمل كثيراً من الصناعات الهامة مثل صناعات الحديد والنحاس والزجاج والنسيج. وكانت صناعة النسيج بالأخص، من أهم وأشهر الصناعات أيام الطوائف، وكان بمدينة ألمرية وحدها، خمسة آلاف منسج، تنتج أفخم وأجمل أنواع الأقمشة. وكانت السفن من مختلف ثغور المشرق، ومن الثغور الإيطالية، تقصد إلى ألمرية وغيرها من الثغور الأندلسية محملة بالسلع من كل ضرب، ثم تعود محملة بالسلع الأندلسية. وكانت دول الطوائف ذات الثغور، مثل إشبيلية وألمرية، وبلنسية ودانية وسرقسطة، تجني من التجارة الخارجية أرباحاً طائلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015