إلى محالفة ملك قشتالة، واتقاء عاديته، وكان للنصارى المعاهدين في بلاطهم مكانة وظهور. ومنهم شعراء مثل ابن المرجري الإشبيلي، وابن مرتين. وكان قائد ابن عباد في فتح قرطبة، وهو محمد بن مرتين، من أصل نصراني، وبنو عباد هم الذين احتضنوا الكونت سسنندو في حداثته، وساعدوه على الظهور ورفعوا مكانته في بلاطهم، وأولوه ثقتهم، واستخدموه في أخص مهامهم السياسية (?). وكان بنو مناد البربر ملوك غرناطة يصطنعون اليهود في البداية، فلما أشتدت وطأتهم على صنهاجة. وانتهت إلى البطش بهم (سنة 459 هـ - 1066 م). جنح أمير غرناطة عبد الله بن بلقين حفيد باديس، إلى اصطناع النصارى، واضطر بضغط الظروف إلى محالفة ملك قشتالة، أو بعبارة أخرى إلى الانضواء تحت حمايته وتأدية الجزية له. وتمتع المعاهدون في غرناطة بالحماية والرعاية، وازدهرت أحوالهم واشتد ساعدهم، واتخذ الأمر عبد الله في بطانته، عدة من أكابر النصارى القشتاليين. يعاونونه في شئون الحرب والإدارة ومنهم عدة من أكابر الفرسان (?).

وقد سبق أن أشرنا إلى ما كان يتمتع به النصارى المعاهدون في شرقي الأندلس ولاسيما في مملكة دانية من ضروب الرعاية والتسامح. وقد كان الفتيان الصقالبة الذين سيطروا على شرقي الأندلس من أشد الرؤساء تسامحاً نحو المعاهدين. وكان مجاهد العامري صاحب مملكة دانية والجزائر. ثم ولده على إقبال الدولة من بعده، كلاهما يبدي نحو رعاياه النصارى منتهى العطف والتسامح، وقد يرجع ذلك من بعض الوجوه إلى ما يقال عن " أصل مجاهد النصراني " وإلى أن زوجته كانت نصرانية، وكذلك ولده علي، فقد نشأ في حداثته بين نصارى ْسردانية، وتخلق بأخلاقهم واعتنق دينهم، قبل أن يعتنق الإسلام بعد عوده من الأسر، بيد أنه يجب أن نلاحظ إلى جانب ذلك، أن هذا التسامح نحو النصارى كان حسبما بينا في موضعه، سياسة متقررة لحكومة مجاهد وولده علي، وأنهما استطاعا بواسطة هذه السياسة المستنيرة، أن يجتنبا عدوان الملوك النصارى، وأن تتمتع مملكة دانية في ظلهما بفترات طويلة من السلام والرخاء.

وثمة مملكة أخرى من ممالك الطوائف، كانت ظروفها تدعو إلى مزيد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015