الخسائر لا يمكن أن تعدو بضع عشرات الألوف في جيش لم يزد على مائة ألف.
وأسطع دليل على ذلك هو حذر الفرنج وإحجامهم عن مطاردة العرب عقب الموقعة، وتوجسهم أن يكون انسحاب العرب خديعة حربية، فلو أن الجيش الإسلامي انتهي إلى أنقاض ممزقة، لبادر الفرنج بمطاردته والإجهاز عليه. ولكنه كان مايزال من القوة والكثرة إلى حد يخيف العدو ويرده (?). على أن خسارة المسلمين كانت بالأخص فادحة في نوعها، تتمثل في مقتل عبد الرحمن وجمع كبير من زعماء الجيش وقادته. بل كان مقتل عبد الرحمن أفدح ما في هذه الخسارة، فقد كان خير ولاة الأندلس، وكان أعظم قائد عرفه الإسلام في الغرب، وكان الرجل الوحيد الذي استطاع بهيبته وقوة خلاله، أن يجمع كلمة الإسلام في اسبانيا، فكان لمقتله في هذا المأزق العصيب، ضربة شديدة لمثل الإسلام ومشاريع الخلافة في افتتاح الغرب (?).
ويعلق النقد الحديث على هذا اللقاء بين الإسلام والنصرانية أهمية كبرى، وينوه بخطورة آثاره وبعد مداها في تغيير مصاير النصرانية وأمم الغرب، ومن ثم في تغير تاريخ العالم كله. وإليك طائفة مما يقوله أكبر مؤرخي الغرب ومفكريه في هذا المقام:
قال إدوارد جيبون، إن حوادث هذه الموقعة " أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الغاليين (الفرنسيين) من نير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال رومة، وأخرت استعباد قسطنطينية، وشدت بأزر النصرانية، وأوقعت بأعدائها بذور التفرق والفشل " (?). ويعتبر المؤرخ أرنولد الموقعة " إحدى هاته المواقف