حط القناع فلم تستر مخدرة ... ومزقت أوجه تمزيق أبراد
حان الوداع فضجت كل صارخة ... وصارخ من مفداة ومن فادى
سارت سفائنهم والنوح يتبعها ... كأنها إبل يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع وكم حملت ... تلك القطائع من قطعات أكباد (?)
وأنزل المعتمد وآله بطنجة، واعتقلوا فيها أياماً. وهنالك زاره الحصري الضرير الشاعر، وألحف في طلب الصلة، ورفع إليه أبياتاً مدحه فيها ولم يراع في ذلك حرج الموقف. وأبت على المعتمد أريحيته الملوكية أن يرده، فبعث إليه بستة وثلاثين مثقالا، وشعراً يعتذر فيه عن ضآلة الهبة، فكانت آخر صلاته الملوكية. ثم أخذوا بعد ذلك إلى مكناسة حيث التقوا بعبد الله بن بلقين وأخيه تميم، وكانا ينتظران أمر السفر إلى مقرهما الأخير (?)، وهنالك قضيا بضعة أشهر، قبل أن يرسلوا إلى مقرهم النهائي.
وأخيراً صدر الأمر بتسييرهم جميعاً إلى أغمات، وهي مدينة صغيرة حصينة تقع على قيد نحو أربعين كيلومتراً من جنوب شرقي مراكش، على مقربة من جبال الأطلس، التي تظلل آكامها الثلوج. وقد كانت حسبما نذكر عاصمة المرابطيين الأولى. وحل المعتمد وآله في أغمات في أواخر منة 484 هـ أو أوائل سنة 485 هـ. وبينما أنزل عبد الله بن بلقين وأسرته داراً حسنة وعوملوا برفق ورعاية، إذ زج المعتمد وآله إلى قلعة أغمات المنيعة. وهنالك قضى المعتمد بضعة أعوام في أغلال الأسر، يتجرع غصص المهانة والذلة، ويلقى عذاب الشهيد المُعَنى. ولم يكن مقام المعتمد بأغمات معتقلا عادياً، بل كان سجناً شنيعاً بكل معاني الكلمة، ضيق فيه على المعتمد وآله أشد التضييق، ولم يكن يطلق لهم ما يكفيهم من النفقة، فكان المعتمد، وزوجه اعتماد الرميكية التي كانت تسطع في الأندلس بجمالها وخلالها البارعة، وأبناؤه الأمراء وبناته الأقمار، يرتدون الثياب الخشنة (?). وكان بنات المعتمد يشتغلن بالغزل ليعلن والدهن وأسرتهن.