وهكذا انتهى حكم بني هود في سرقسطة، بعد أن دانت لحكمهم أكثر من سبعين عاماً، منذ انتزع عميدهم ومؤسس دولتهم سليمان بن هود الحكم من آل تجيب في سنة 430 هـ. وقد عاشت ولاية سرقسطة أو الثغر الأعلى في الواقع، كوحدة سياسية وعسكرية مستقلة عن الحكومة المركزية أكثر من قرنين، إذا احتسبنا عهد بني تجيب بها. وهكذا كانت سرقسطة آخر دولة من دول الطوائف تسقط في أيدي المرابطين. وتاريخها في الأعوام القليلة القادمة حتى سقوطها في يد ألفونسو الأول ملك أراجون في سنة 512 هـ (1118 م) يرتبط بتاريخ المرابطين.
على أن سقوط سرقسطة، لم يكن آخر العهد ببني هود. ذلك أن عماد الدولة عبد الملك بن المستعين، استقر بقاعدة روطة الحصينة (?)، الواقعة على نهر خالون أحد أفرع إبرُه " الإيبرو " الجنوبية. وكان بنو هود قد أعدوا هذه القاعدة وحصنوها، وزودوها بالأبنية الفخمة، لتكون لهم عند الضرورة ملجأ ومثوى، كلما نزلت بهم نازلة. واستمر عماد الدولة مقيماً بروطة، وهو يشهد الصراع المضطرم بين المرابطين والنصارى حول امتلاك سرقسطة. فلما سقطت في يد النصارى وضع نفسه تحت حماية سيدها الجديد ألفونسو ملك أراجون (ابن رذمير) واستمر على حاله، حتى توفي بروطة في شعبان سنة 524 هـ (1130 م). فخلفه في الإمارة ولده أبو جعفر أحمد بن عبد الملك وتلقب بسيف الدولة المستنصر بالله، وكذلك بالمستعين بالله، واستمر في حكمه لروطة، وما حولها من الحصون والأراضي، حتى حمله ألفونسو ريمونديز ملك قشتالة، وهو الذي تعرفه الرواية الإسلامية بأدفونش بن رمند وبالسليطين، على التنازل عنها، وعوضه عنها بقسم من مدينة طليطلة، نزل فيه بأهله وأمواله، أو ببعض أملاك بجوار طليطلة أقطعه إياها، وذلك في سنة 534 هـ (1139 م) (?)، وهي حوادث نستوفيها فيما بعد في تاريخ المرابطين في شبه الجزيرة.
* * *