وفي تلك الآونة ظهر في الميدان رجل، كانت تدخره الأقدار ليقمع الفتنة، وينتزع مقاليد الحكم. ذلك الرجل هو أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود الجذامي، وهو كبني تجيب ينتمي إلى بيت عربي عريق، وجدهم الأعلى هو هود وهو الداخل إلى الأندلس وينتسب إلى الأزد. وكان سليمان وقت وقوع الفتنة من كبار الجند بالثغر الأعلى، فغلب على مدينة لاردة، وقتل صاحبها يومئذ، وهو أبو المطرِّف التجيبي، ثم غلب على تُطيلة من أطراف الثغر، وكان بها في جمع من صحبه وقت مقتل المنذر التجيبي، فلما وقف على ما حدث بسرقسطة، هرع إليها في صحبه، وقيل بل كان وقت وقوع الحادث بمدينة لاردة، وأن أهل سرقسطة هم الذين استدعوه للحضور. ويقدم لنا ابن خلدون رواية أخرى خلاصتها أن سليمان بن هود هو الذي ارتكب جريمة سرقسطة، وأن الملك القتيل لم يكن هو المنذر معز الدولة، وإنما كان أبوه يحيى المظفر، وهو الذي كان يحكم يومئذ، ويضع تاريخ هذا الحادث في سنة 431 هـ (?).

ولم يذكر ابن الخطيب واقعة القتل، ويقول لنا إن أهل سرقسطة هم الذين ثاروا بيحيى بن المنذر بن يحيى، وصرفوا طاعتها إلى سليمان بن هود (?). بيد أن هاتين الروايتين تنقضهما رواية ابن حيان المعاصرة، وهي التي اتبعناها فيما تقدم، وهي رواية يؤيدها صاحب البيان المغرب (?).

وعلى أي حال فقد هرع سليمان بن هود في صحبه إلى سرقسطة، واستولى عليها في غرة المحرم سنة 431 هـ (23 سبتمبر سنة 1039 م) وسواء أكان استيلاؤه عليها نتيجة لدعوة أهلها، واختيارهم إياه لولايتها، أم كان عملا من أعمال القوة وهو الأرجح، فإن الواقع أنه استولى على مقاليد الحكم دون منازع، وبذلك انتهت رياسة التجيبيين للثغر الأعلى، بعد أن لبثت زهاء قرن ونصف، وبدأت في سرقسطة والثغر الأعلى رياسة أسرة جديدة هي أسرة بني هود، التي يخصها ابن الأبار دون غيرها من أسر الطوائف، بغلبة الشجاعة والشهامة عليها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015