باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
كان منشأ ومبدأ ظهور البدع والفرق أحد العوامل والأسباب والدوافع على ظهور الوضع في الحديث؛ لأجل نصر البدعة والهوى، وهذا شأن أصحاب البدع في كل زمان ومكان، فهم يختلقون ويصطنعون الكلام المزين ظاهراً والمزيف باطناً لأجل نصرة بدعتهم وهواهم.
وأصحاب الحديث والرواية قبل ظهور الفتن والبدع لم يكونوا يسألون عن الأسانيد، بل ولا يروون الحديث بإسناده، فلما ظهرت الفتن وظهر ما ظهر قالوا: سموا لنا رجالكم، وكما يقول ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما ظهرت الفتن قلنا لهم: سمّوا رجالكم، فمن كان من أهل السنة أخذنا حديثه، ومن كان من أهل الأهواء والبدع طرحنا حديثه.
وكان هذا هو بداية نشأة علم الجرح والتعديل.
فبداية نشأة علم الجرح والتعديل كان بظهور الفتن، وقد حث علماء الصحابة الناس على الاحتياط في حمل الحديث عن الرواة، وألا يأخذوا إلا حديث من يوثق به ديناً وحفظاً، والمقصود بالدين هنا العدالة، والمقصود بالحفظ الإتقان والضبط.
وشاع في عرف الناس هذه القاعدة: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم.
وهذا ثبت من قول عبد الله بن المبارك رحمه الله.
وروي مثل هذا القول عن مالك وغيره.