الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
وبعد: مرحباً بكم وأهلاً وسهلاً، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا على مائدة الكتاب والسنة إلى يوم نلقاه.
روى الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه القيم جامع بيان العلم وفضله بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يسلك طريقاً يلتمس فيه علماً إلا سهّل الله له طريقاً إلى الجنة).
وهذا يبين فضل العلم وعاقبته في الدنيا، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: إنه سهّل له طريق طلب العلم، وإنما سهّل له طريقاً يقابل ويزيد عن هذا الطريق، ألا وهو طريق الجنة.
(ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
والحديث صحيح، وهو عند الإمام مسلم في صحيحه وغيره.
فلو أن إنساناً تقاعس في عمله ولم يكن هدفه فيه ابتغاء مرضاة الله عز وجل، فإنه لا يرتفع بهذا العمل عند الله حتى وإن كان مرفوعاً في نسبه بين الناس، لكونه لم يبتغ به وجه الله.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)، أي: في مسجد من مساجد الله عز وجل (يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا حفتهم الملائكة).
ومطلع هذا الحديث يدلنا على أدب من آداب طالب العلم، وهو ألا نتبعثر ونتفرق في المجلس، فالحديث فيه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله).
فلا يجلس واحد في زاوية، وآخر في زاوية، وثالث في الشارع، ورابع في بيته، فكل هذا ليس من آداب العلم، بل من أتى درس العلم فينبغي عليه أن يزاحم حتى يجلس في الصفوف الأول، أو في الأماكن الأول.
قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه)، أي: يتفقهون في كتاب الله عز وجل، وليس المقصود بالكتاب القرآن فقط، وإنما المقصود به مصادر التشريع من كتاب وسنة وإجماع وقياس، (إلا حفتهم الملائكة)، وهذا في مجلس العلم، فمجالس العلم تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، (وغشيتهم الرحمة).
وتتنزل عليها السكينة والطمأنينة والأمان، (وذكرهم الله فيمن عنده)، أي: في الملأ الأعلى، أو بين ملائكته.