وقد عاب ابن الصلاح ما ذهب إليه الحاكم والخليلي حيث قالا: إن الشاذ هو انفراد الثقة، سواء خالف أو لم يخالف، ثقة أو غير ثقة.
ورده بالأحاديث الغرائب والأفراد الصحيحة.
قال ابن الصلاح: أما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال بأنه شاذ غير مقبول.
وكأنه يقول: إن كلام الشافعي في الشذوذ هو الكلام الأصل، وهو التعريف المعتمد في معنى الشاذ، وأما قول الحاكم وأبي يعلى الخليلي فهو كلام مشكل، أي: مردود.
ولو رددنا ما ينفرد به العدل الحافظ الضابط لرددنا حديث (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته).
فهذا قد انفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وكان أحمد بن حنبل يقول: كل الرواة عيال في هذا الحديث على عبد الله بن دينار، بمعنى: أنه لم يروه عن ابن عمر إلا عبد الله بن دينار، وكذلك حديث مالك عن الزهري عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر).
انفرد به مالك عن الزهري، وانفرد به الزهري عن أنس.
وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو من تسعين حرفاً -أي: حديثاً- لم يشاركه فيها غيره، أي: لم يروها غيره من الرواة، فلو كان ما انفرد به الراوي شاذاً للزمنا أن نرد هذه التسعين حديثاً التي معظمها في البخاري ومسلم.
يقول: ولو روى ثقة مخالفاً لما رواه الضعفاء فالعبرة لروايته لا لروايتهم.
أي: لو أن الراوي الثقة روى حديثاً وروى جماعة ضعفاء حديثاً يخالف رواية الثقة، فالمقبول حديث الثقة دون حديث الضعفاء، ولا تضر هذه المخالفة في صحة الحديث الأصل الذي هو من رواية الثقة.
والمراد بالناس في قول الشافعي رحمه الله هم الحفاظ الضابطين المتقنين، وهذا هو الظاهر من كلام الشافعي أيضاً، ومما يدل عليه قول الإمام أحمد للإمام البخاري عندما أراد أن يترك بغداد: تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ فكلمة الناس هنا بمعنى العلماء وأهل الفضل والصلاح، فلا يُحمل قول الإمام الشافعي أن الناس هنا المقصود بهم عوام الناس.