لقد كانت المطبعة هي السلاح الأولى الذي جلبه الصليبيون والمبشرون إلى العالم العربي لشن حملاتهم التبشيرية عن طريق الكتاب والصحيفة، ففي أحد الأديرة المارونية في لبنان وفي دير قزحيا طبع كتاب المزامير سنة 1610 بالحرف السرياني، ثم أنشأ الشماس عبد الله زاخر أول مطبعة عربية سنة 1731 بقرية الشوير اللبنانية، وتخصصت هذه المطبعة في نشر كتب التبشير المسيحي.
وفي سنة 1834 أنشأ المبشرون الأمريكيون من أمثال كورنيليوس فان دايك، ووليم ورتبات وغيرهما مطبعة في بيروت لطبع الإنجيل، وتزويد الجمعيات التبشيرية بالكتب الدينية، ومن المعروف أن هذه الجمعيات كانت تضم الكثير من القسس والأطباء والعلماء الذين نذروا أنفسهم للتبشير بين المسلمين في العالم العربي.
وأنشأ المبشرون مدارس دينية ومدرسة عليا هي الكلية السورية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن الغريب أن هذه المعاهد قد اتخذت من بيروت والقاهرة ولا هو وأنقرة، وهى من أركان العالم الإسلامي، مراكز للتبشير في جميع أجزاء العالم الإسلامي، وبث الفرقة بين أقطاره المختلفة، وكان الإعلام الطباعي يغذي هذه الحركات التبشيرية بالكتب والصحف والمجلات والأطالس.
وخاف اليسوعيون الكاثوليك أن يتفوق الأمريكيون البروتستانت عليهم في مضمار الإعلام التبشيري المسيحي والدعوة الصليبية بفضل مطبعتهم، فقرروا في سنة 1848 إنشاء مطبعة يواجهون بها منافسيهم، فاستوردوا من فرنسا مطبعة كبيرة طبعوا عليها الكتب الدينية والأدبية والعلمية، وفي الربع الأخير من القرن الماضي أصبحت طابعات هذه المطبعة الكاثوليكية تدار بالبخار لأول مرة في لبنان.