أعرف هل الذي جمعت يحتج به أم لا؟ هل هو صحيح فيعمل به، أم هو ضعيف فيحذر الناس منه.
وقال سفيان الثوري - رحمه الله -: «الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض»، وقال يزيد بن زريع: «لكل دينٍ فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد».
ولذلك ذكر الحافظ الذهبي في الميزان أن هارون الرشيد - رحمه الله - أتى بزنديق ليقتله، فقال الزنديق: «أين أنت من ألف حديثٍ وضَعْتُها على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟»، يعني: ماذا تستفيد من قتلي وقد وضعت ألف حديث وقد سَرَتْ بين الناس؟ فقال له هارون - رحمه الله -: «وأين أنت من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها حرفًا حرفًا، يُبَيِّنَانِها للناس».
ولذلك كان للعلماء جهودٌ جبارة في كشف الكذب، وتعيين الأحاديث المكذوبة، وتبيين الضعيف للناس والمكذوب حتى يحذروا منه، ولذلك ألفوا مصنفاتٍ خاصة في تبيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وفي تبيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وقعدوا القواعد في روايات أهل البدع، وشددوا في قبول الحديث، ودعوا الناس إلى تلقي الصحيح، والحث على التثبت في الرواية، وألفوا الكتب في أسماء الضعفاء والوضَّاعين، وبينوا الأحاديث المسروقة والمركبة وأحاديث القصاصين، وكانت لهم مواقف من الكذابين: بفَضْحهم، وتَرْك السلام عليهم، ووعظهم، والتشهير بهم، وتمزيق كتبهم بين أعينهم، والاستعداء عليهم من أهل الخير، ووصفهم بألقابٍ تناسبهم.
السبب الأول: قلة علماء الحديث في هذا العصر.
والسبب الثاني: انتشار وسائل النشر والتوزيع التي تطبع الكتب وتغرق الأسواق بآلافٍ من الكتب التي فيها الشيء الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة،