لِهَذَا الْجِهَادِ وَأَعْطَى أَعْدَاءَهُ مَدَدًا وَعُدّةً وَأَعْوَانًا وَسِلَاحًا وَبَلَا أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْآخَرِ وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً لِيَبْلُوَ أَخْبَارَهُمْ وَيَمْتَحِنَ مَنْ يَتَوَلّاهُ وَيَتَوَلّى رُسُلَهُ مِمّنْ يَتَوَلّى الشّيْطَانَ وَحِزْبَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبّكَ بَصِيرًا} (الْفُرْقَانُ: 20)، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} (مُحَمّدٌ: 4)، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (مُحَمّدٌ: 31).

• مَعْنَى وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقّ جِهَادِهِ:

وَأَمَرَ الله - عز وجل - عباده المؤمنين أَنْ يُجَاهِدُوا فِيهِ حَقّ جِهَادِهِ كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ. قال - عز وجل -: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحج:78) وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).

وَكَمَا أَنّ حَقّ تُقَاتِهِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ، فَحَقّ جِهَادِهِ أَنْ يُجَاهِدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ لِيُسْلِمَ قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ لله، فَيَكُونُ كُلّهُ لله وَبِاللهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا بِنَفْسِهِ، وَيُجَاهِدُ شَيْطَانَهُ بِتَكْذِيبِ وَعْدِهِ وَمَعْصِيَةِ أَمْرِهِ وَارْتِكَابِ نَهْيِهِ فَإِنّهُ يَعِدُ الْأَمَانِيّ وَيُمَنّي الْغُرُورَ وَيَعِدُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَيَنْهَى عَنْ التّقَى وَالْهُدَى وَالْعِفّةِ وَالصّبْرِ؛ فَجَاهِدْهُ بِتَكْذِيبِ وَعْدِهِ وَمَعْصِيَةِ أَمْرِهِ، فَيَنْشَأُ لَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْجَهَادَيْنِ قُوّةٌ وَسُلْطَانٌ وَعُدّةٌ يُجَاهِدُ بِهَا أَعْدَاءَ اللهِ فِي الْخَارِجِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَمَالِهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015