ومن ثم عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد، لأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم القيامة اهـ. وسيأتي في هذا المعنى مزيد إن شاء الله تعالى (و) صح أيضاً (أنه) (قال لعليّ) بن أبي طالب (رضي الله عنه) يوم خيبر (فوا لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) رواه الشيخان. وحمر النعم بفتح النون والمهملة: أي الإبل الحمر: أنفس أموال العرب. وهذا الخطاب باعتبار ما استقرّ عندهم من نفاسة ذلك وكرمه، وإلا فلا مناسبة بينه وبين الثواب المترتب على الهداية.

وفي الحديث «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها» (فرأيت) الفاء فصيحة أي إنه ورد الأمر بالتعاون على البرّ والتقوى في الكتاب والسنة. فرأيت (أن أجمع مختصراً) بوزن اسم مفعول أجمع، ويقال له الموجز، وهو ما قلّ لفظه وكثر معناه. ويجوز أن يقرأ بصيغة اسم الفاعل فيكون حالاً من فاعل أجمع ويكون قوله (من الأحاديث الصحيحة) ظرفاً لغواً متعلقاً بأجمع، وعلى الأوّل فهو ظرف مستقرّ صفة مختصراً: أي مختصراً كائناً من الأحاديث. والأحاديث قال في «المفاتيح» جمع أحدوثة، وهو ما يحدث به والحديث مثله، ويجوز أن يكون جمع حديث على غير قياس. وفي «الكشاف» : الأحاديث تكون اسم جمع للحديث، ومنه أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ. وتعقبه أبو حيان في النهر بأن أفاعيل ليست من صيغ اسم الجمع وإنما ذكرها أصحابنا فيما شذّ من الجمع كقطيع وأقاطيع، وإذا حكموا على عباديد بأنه جمع تكسير لا اسم جمع وهو لم يلفظ له بواحد فأحاديث أخرى، فالصواب أنه جمع تكسير لما ذكرنا: أي من أحدوثة، وهو ما يتحدث به الناس على جهة الغرابة والتعجيب اهـ. والحديث المراد هنا ما يسمى بعلم الحديث رواية، وحدّه كما في «شرح البخاري» للكرماني: علم يعرف به أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله. قلت: وكذا تقريره وما أضيف إليه من وصف ككونه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015