نَشَدْتَنَا فَإنَّ سَعْداً كَانَ لا يَسِيرُ بالسَّرِيَّةِ وَلاَ يَقْسِمُ بالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ في القَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أمَا وَاللهِ لأَدْعُونَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِباً، قَامَ رِيَاءً، وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(نشدتنا) بفتح النون والشين المعجمة، أي: طلبت منا القول وجواب أما قوله (فإن سعداً كان لا يسير بالسرية) أي: معها وهو كناية عن وقت الحسن (?) ، أي: لا يخرج معها لذلك، وهي القطعة من الجيش (ولا يقسم بالسوية) أي: يؤثر بالعطاء من يشاء لغرض (ولا يعدل في القضية) أي: الحكومة (قال سعد أما) بتخفيف الميم (والله لأدعون بثلاث) أي: من الدعوات إنما دعا بها لأنه رماه بثلاث معايب فدعا عليه بعددها، وحذف المعدود لدلالة قوله أدعون عليه وبينها بقوله: (اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة) أي: ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه فيكون له بذلك ذكر (فأطل عمره) بضم أوليه، وتسكين الثاني تخفيفاً وذلك ليدوم تحسره وتعبه لقوله: (وأطلق فقره) فإن أصعب الفقر ما كان حال الكبر؟ لأنه وقت الضعف والعجز عن العمل فالفقر معه أشد، وجاء في رواية زيادة: وأكثر عياله (وعرضه) بتشديد الراء (للفتن) أي: اجعله عرضة لها أوأدخله في معرضها أي: أظهره بها. ففيه جواز الدعاء على الظالم بالفتنة في دينه. قال ابن المنير: وكان في النفس من ذلك شيء، وذلك أن الدعاء بمثله مستلزم وقوع المعاصي، حتى تأملت هذا الحديث فوجدته سائغاً. والسبب فيه أن وقوع المعاصي لم يطلب من حيث كونها معاصي، لكن من حيث ما فيها من نكاية الظالم وعقوبته، كما أبيح تمني الشهادة، وندب مع أن فيه تمني قتل الكافر المسلم وذلك معصية ووهن في الدين، وذلك لأن الغرض من تمني الشهادة؛ ثوابها لأنفسها ووجدت في دعوات الأنبياء كقول موسى (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم) (?) . وقول نوح (ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً) (?) . قال ابن المنير في الدعوات الثلاث: مناسبة للحال، أما طول عمره فليراه من سمع بأمره، فيعلم كرامة سعد. وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه، لأن حاله يشعر بأنه طلب أمراً دنيوياً. وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده. وقال غيره: لما نفى عن سعد الفضائل الثلاث الشجاعة التي هي كمال القوة العصبية حيث قال: لا يسير والعفة التي هي كمال القوة الشهوية، حيث قال: لا يقسم. والحكمة التي هي كمال القوة العقلية حيث قال: لا يعدل، وهذه الثلاثة متعلقة