البتة (لكنكم تستعجلون) أي: تطلبون العجلة في الأمور ولكل شيء في علم الله أوان وإذا جاء الأوان يجيء.
وقد وقع ما أخبر به المصطفى كما أخبر، فعم الإسلام وظهر وصار الراكب لا يخشى من يفتنه ويصده عن دينه: إنما يخشى بوائق الحدثان وبا المستعان، فهو من جملة علامات نبوّته، ولا يخالف هذا الحديث ما نقله ابن الأثير في «أسد الغابة» عن أبي صالح قال: «كان خباب قيناً يصنع السيوف؛ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يألفه ويأتيه/ فأخبرت ملاوته بذلك فكانت تأخذ الحديدة الممحاة فتضعها على رأسه، فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اللهمّ انصر خباباً؛ فاشتكت مولاته أم أنمار رأسها، فكانت تعوي مثل الكلاب، فقيل لها اكتوي، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها» اهـ. لتعدد الوقعات، واختلاف الأقوال لاختلاف الأحوال، والله أعلم. (رواه البخاري) في علامات النبوّة وفيما يأتي وفي كتاب الإكراه، ورواه أبو داود والنسائي.
(وفي رواية) أي: للبخاري في باب ما لقي النبيّ وأصحابه من المشركين بمكة (وهو متوسد بردة) وفي نسخة «ببرد» أتى بها مع أنها في الرواية السابقة ليبين بها محل قوله: (وقد لقينا) أي معشر ضعفاء المسلمين (من المشركين شدة) أي: عظيمة كما يؤذن به التنوين، فكانوا يلقون بلالاً على قفاه في وقت الظهيرة ويجعلون على صدره الصخرة العظيمة، وكانوا يلقون خباباً على ظهره على النار وجعلوا سمية أم عمار بين جملين وأدخلوا في قلبها رمحاً فماتت رضي الله عنهم أجمعين، ثم هذه الشدائد التي حلت بأولئك الأماجد لكمال استعدادهم زيادة في علو درجاتهم ورفع شأنهم، وفي الحديث الشريف: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» وعلى قدر المقام يكون الابتلاء. وقد كانت قلوبهم راضية وأنفسهم بذلك مطمئنة، حتى لقد رد بعضهم جوار أقاربه للكفار، ورضي أن يعذب في الله ويبتلى فيه مع الأخيار، وشكواهم ليست عن تطجر ولا تبرم، وإنما هي لأنهم رأوا أن في السلام من ذلك