(لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) بفتح العين والذال المعجمة: أي على منازلهم أو عليهم في قبورهم (إلا أن تكونوا باكين) استثناء من أعم الأحوال: أي لا تدخلوا على أي حال إلا حال بكائكم، وليس المراد الاقتصار عليه حال الدخول بل استمرار ذلك مطلوب عند كل جزء من أجزاء الدخول والمرور بهم، رجاء أنه لم ينزل فيه البتة» (فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم) لأنها مواقع سخط ومنازل بلاء (لا يصيبكم) بالرفع على أن لا نافية: أي لئلا يصيبكم (ما أصابهم) أي مثل ما أصابهم من العذاب. ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو نهي بمعنى الخبر، وللبخاري في أبواب الأنبياء «أن يصيبكم» قلت: وهو كذلك في تفسير سورة الحجر منه: أي خشية أن يصيبكم، كذا قدر البصريون مثله، وقدره الكوفيون لئلا يصيبكم فحذف الجار، ووجه هذه الخشية أن البكاء في الأول أرجح لما يأتي ببعثه التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكير في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، فمن مرّ عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بحالهم فقد شابههم في الإهمال ودلّ على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجرّه ذلك إلى العمل بمثل عملهم فيصيبه ما أصابهم، ولهذا يندفع اعتراض من قال: كيف يصيب عذاب الظالم من ليس بظالم؟ لأنه بهذا التقدير لا يأمن أن يصير ظالماً فيعذب بظلمه اهـ. ملخصاً من «فتح الباري» (متفق عليه) .
(وفي رواية) للبخاري في أبواب الأنبياء، ورواه النسائي أيضاً في التفسير من «سننه» (قال) أي ابن عمر (لما مرّ رسول الله بالحجر) في غزوة تبوك (قال) أي لأصحابه (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) أي بالكفر بالله وتكذيب رسل الله بتكذيب صالح عليه السلام، إذ من كذب رسولاً بمنزلة من كذبهم لاتفاق دعوتهم واتحاد منهجهم، ولا يضرّ اختلاف فروع شرائعهم فيما ذكر (أن يصيبكم ما أصابهم) أي خشية أن يصيبكم: أي خشية إصابة ما أصابهم، وهذا تقدير البصريين، وخرّج الكوفيون مثله كما مر آنفاً على أن حرف النفي محذوف بين أن ومنصوبها. وتعقب بأن «لا» لا تضمر، إذ لا يجوز حذف النفي ولكن يراد للتأكيد، وحذف المضاف كثير