وَبِشْرٌ مَعَهُ إِذْ كَبَّتْ بِشْرًا نَاقَتُهُ فَتَعَّسَهُ، فَشَهِدَ الْأُسْقُفُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَانْصَرَفَ أَبُو عَلْقَمَةَ نَحْوَهُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: أَنْزِلُونِي وَإِلَّا رَمَيْتُ نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ، فَأَنْزَلُوهُ، فَانْطَلَقَ الرَّاهِبُ بِهَدِيَّةٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا هَذَا الْبُرْدُ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْخُلَفَاءُ، وَالْقَعْبُ وَالْعَصَا، وَأَقَامَ الرَّاهِبُ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ يَسْمَعُ كَيْفَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ وَالسُّنَنُ وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وَأَبَى اللهُ لِلرَّاهِبِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ، وَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجْعَةِ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكَ حَاجَتُكَ يَا رَاهِبُ إِذْ أَبِيتَ الْإِسْلَامَ» ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِنَّ لِي حَاجَةً وَمَعَاذَ اللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حَاجَتَكُ وَاجِبَةٌ يَا رَاهِبُ، فَاطْلُبْهَا إِذَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ» ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يَعُدْ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِنَّ الْأُسْقُفَّ أَبَا الْحَارِثِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ وَوُجُوهُ قَوْمِهِ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ يَسْمَعُونَ مَا يُنْزِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لِلْأُسْقُفِّ هَذَا الْكِتَابَ وَلِأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأُسْقُفِّ أَبِي الْحَارِثِ وَكُلِّ أَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ وَكَهَنَتِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَأَهْلِ بِيَعِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَمُتَوَاطِئِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ لَا يُغَيَّرُ أُسْقُفٌّ مِنْ أُسْقُفَّتِهِ، وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلَا سُلْطَانِهِمْ وَلَا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، عَلَى ذَلِكَ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا نَصَحُوا اللهَ وَأَصْلَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُثْقَلِينَ بِظُلْمٍ وَلَا ظَالِمِينَ» . وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَلَمَّا قَبَضَ الْأُسْقُفُّ الْكِتَابَ اسْتَأْذَنَ فِي الِانْصِرَافِ إِلَى قَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَانْصَرَفُوا حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015