قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا، زَعَمَ أَنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلَّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رَحْلِهِمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا لَهُ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَرِكَابِنَا، يَحْفَظُهَا لَنَا، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِأَشَرِّكُمْ مَكَانًا» ، يَعْنِي لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَهُ بِالَّذِي أَعْطَاهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْيَمَامَةَ ارْتَدَّ عَدُوُّ اللهِ، وَتَنَبَّأَ، وَقَالَ: إِنِّي أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِأَشَرِّكُمْ مَكَانًا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْجَعُ السَّجَاعَاتِ فَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى بَيْنَ صِفَاقٍ وَحَشَا، وَوَضَعَ عَنْهُمُ الصَّلَاةَ، وَأَحَلَّ لَهُمُ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَمْرِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَمْرِ، وَلَكِنْ قُرَيْشٌ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ بِهَذَا الْكِتَابِ. فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يَورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ