الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِئُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُمْ إِلَى مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَا نَخْتَلِفُ عَلَيْكَ أَبَدًا عَلَى شَيْءٍ فَمُرْنَا وَابْعَثْنَا، فَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إِلَى كِسْرَى، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى كِسْرَى وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، فَاسْتَأَذَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ كِسْرَى بِإِيوَانِهِ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ، ثُمَّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ فَارِسَ، ثُمَّ أَذِنَ لِشُجَاعٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَمَرَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَضَ مِنْهُ، قَالَ شُجَاعٌ: لَا، حَتَّى أَدْفَعَهُ أَنَا كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ كِسْرَى: ادْنُهُ، فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الْكِتَابَ ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: «مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ» ، فَأَغْضَبَهُ حِينَ بَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وَصَاحَ وَغَضِبَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ بِشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فَأُخْرِجَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَعَدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ سَارَ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ الطَّرِيقَيْنِ أَكُونُ إِذَا أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ كِسْرَى سَوْرَةُ غَضَبِهِ بَعَثَ إِلَى شُجَاعٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ، فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ، فَطُلِبَ إِلَى الْحِيرَةِ فَسَبَقَ، فَلَمَّا قَدِمَ شُجَاعٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ كِسْرَى وَتَمْزِيقِهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَزَّقَ كِسْرَى مُلْكَهُ» . اتَّفَقَ هَذَا الْمُرْسَلُ وَالْمَوْصُولُ قَبْلَهُ فِي تَمْزِيقِهِ كِتَابَهِ، فِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَنْ تَمْزِيقِهِ مُلْكَهُ، وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يَدْفَعُ كِتَابَهُ إِلَى كِسْرَى، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَوْصُولَةٌ فَهِيَ أَوْلَى وَاللهُ أَعْلَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015