أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ قَدْ كَثَّرَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ يُعَرِّضُ بِهِ فِيهِ وَبِأَشْبَاهِهِ فَقَالَ:
[البحر البسيط]
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
-[75]-
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً، وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، فَيَعْدُو عَلَيْهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ عَدَا عَلَى حَسَّانَ بِالسَّيْفِ، فَوَاللهِ مَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، خَلِّ سَبِيلَهُ، فَسَتَغْدُو عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَأَنَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ آذَانِي وَكَثَّرَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عَرَّضَ فِي الْهِجَاءِ، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، وَهَأَنَذَا فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا إِلَيَّ حَسَّانَ» ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: " يَا حَسَّانُ أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، يَقُولُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِمْ يَا حَسَّانُ، أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَكَ" فَقَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيرِينَ الْقِبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ، وَأَعْطَاهُ أَرْضًا كَانَتْ لِأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ قَالَ حِينَ ضَرَبَ حَسَّانَ:
[البحر الطويل]
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنْكَ فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إِذَا هُوجِيتُ لَسْتُ بِشَاعِرِ
وَقَالَ حَسَّانُ لِعَائِشَةَ:
[البحر الطويل]
رَأَيْتُكِ وَلْيَغِفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ... مِنَ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
-[76]-
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... بِكِ الدَّهْرَ بَلْ قِيلُ امْرِئٍ مُتَمَاحِلِ
فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوكُمْ كَمَا بَلَّغُوكُمُ ... فَلَا رَجَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
فَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ
وَإِنَّ لَهُمْ عِزًّا يُرَى النَّاسُ دُونَهُ ... قِصَارٌ وَطَالَ الْعِزُّ كُلَّ التَّطَاولِ