أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ خَرَجُوا إِلَى الْخَنْدَقِ رَفَعُوا الذَّرَارِيَّ -[441]- وَالنِّسَاءَ فِي الْحُصُونِ، مَخَافَةَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَرَّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلَّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ تَوَقَّدُ، وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الرجز]
لَبِّثْ قَلِيلًا فَيَشْهَدِ الْهَيْجَا حَمَلْ ... لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ
فَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ: الْحَقْ يَا بُنَيَّ، فَقَدْ وَاللهِ أَخَّرْتَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أُمَّ سَعْدٍ، لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ؛ فَخَافَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السَّهْمُ مِنْهُ. زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَرَمَاهُ - فِيمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ - حَبَّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ، فَقَطَعَ مِنْ سَعْدٍ الْأَكْحَلَ. فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ: خُذْهَا مِنِّي، وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَقَالَ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا -[442]- فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَكَ وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً، وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ