وَقَوْلُهُ: «لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ»

أَيْ لَا يُتَحَدَّثُ بِهَفْوَةٍ أَوْ زَلَّةٍ إِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ. يُقَالُ: نَثَوْتُ الْحَدِيثَ فَأَنَا أَنْثُوهُ: إِذَا أَذَعْتُهُ. وَالْفَلَتَاتُ: جَمَعَ فَلْتَةٍ، وَهُوَ هَهُنَا: الزَّلَّةُ وَالسَّقْطَةُ.

وَقَوْلُهُ: «إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ»

يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ وَلَا يَتَحَرَّكُونَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ. وَالطَّيْرُ لَا تَسْقُطُ إِلَّا عَلَى سَاكِنٍ.

قَوْلُهُ: «لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مكاف»

يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ابتدى بِمَدْحٍ كَرِهَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ مُثْنٍ وَشَكَرَهُ قبل ثناؤه.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ أَحَدٌ مِنْ إِنْعَامِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ فَيَكُونُ مُكَافِئًا بِثَنَائِهِ عَلَيْهِ مَا سَلَفَ مِنْ نِعْمَةِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ.

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ: إِلَّا مِنْ مُقَارِبٍ فِي مَدْحِهِ غَيْرِ مُجَاوِزٍ بِهِ حَدَّ مِثْلِهِ وَلَا مُقَصِّرٍ بِهِ عَمَّا رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ. أَلَا تَرَاهُ

يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَلَكِنْ قُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» [ (?) ] .

فَإِذَا قِيلَ: نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهُ فَقَدِ وُصِفَ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ، فَهُوَ مَدْحٌ مُكَافِئٌ له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015